لعل من أهم الخطوات الثقافية الموفقة التي كانت باكورة نشاط اللجنة الثقافية بجامعة الأمم العربية هي عقد مؤتمري الثقافة والآثار.
ومؤتمرات الثقافة ليست جديدة على العالم العربي فقد كانت في الجاهلية تنتظم في أسواق الجزيرة العربية، ثم كان الخلفاء والأمراء والسلاطين يقيمون شيئاً مثلها في بلاطهم وتحت رعايتهم، يجتمع فيها مشهورو أصحاب الأقلام وأمراء الشعر والعلم والفن من بلدان العالم الإسلامي، وطالما اشترك الخلفاء أنفسهم في النقاش وتذوقوا لذته. . .
على أن دراسة الآثار القديمة لم تكن لتهم القوم كثيراً في الإسلام فقد كان يخشى المتحدث في مدنيات الفراعنة أو الأكاسرة أن يتهم بالمروق، أو أن يعمد منافسوه إلى أن يلصقوا به جريمة الإلحاد أو الردة أو الزندقة. وقد كانت الأخيرة في فترة ما من حكم العباسيين جريمة تدني رقبة صاحبها من سيف الجلاد، مما صرف علماء المسلمين على الدراسة التفصيلية في تراث الوثنيين في مصر، والمجوس بفارس، والمسيحيين في مصر والشام.
ثم كان لابد لهذا الإهمال من نتائج: فقد امتدت أيدي العبث والتدمير والسطو والتبديد إلى تراث القدماء، واستمرت هذه الحال المؤلمة إلى آخر الزمان، فلم يتردد بدر الجمالي - مثلاً - وزير المستنصر الفاطمي في سنة ٤٨٠ هـ (١٠٨٧) م من أن يستخدم بعض أحجار جبانة الجيزة من حول الأهرام لبناء استحكاماته ولا زالت أحجار السوريين بأبي النصر والفتوح تحمل رسوماً وكتابات هيروغليفية. وفي العصر التركي تمكن عثمان كتخدا (الكخيا) من الحصول على قطعة من الحجر (الديوريت) الأخضر مما خلفه قدماء المصريين فاستعملها عتبة لمسجده في ميدان (الأوبرا). وليس اعجب من أن تتواتر الشائعات في سنة ١٩٤٧ - نرجو أن تكون كاذبة - عن فكرة صهر ذهب (توت عنخ آمون) لتغطية النقد المصري، وما هو بكاف ولا بعشرة أمثاله.
والشيء الذي لا شك فيه، هو أن العرب في وسط الجزيرة سكنوا واد غير ذي زرع أحاطت بهم بيئة خالية من الخير ورغد العيش والاستقرار، فنشأوا نشأة خشنة وعاشوا خلوا من شارات الفن ومخايل المدينة، لعدم حاجتهم إليها - والحاجة تفقد الحيلة - أو