لانصرافهم إلى النضال في سبيل العيش والتقاتل القبلي. ولما جاء الإسلام بخيره وبركته واخرج العرب من الظلمات إلى النور، صرف القوم إلى الفتح وتوطيد دعائم الدين الحنيف، فلم يذق العرب حلاوة الاستقرار الحقيق والانصراف إلى التعمير الفني إلا ابن حكم دولة بني أمية، حيث رأوا لزاماً عليهم أن يأخذوا بأسباب المدنيات التي ألفوها أمامهم في الأمم المغزوة، فبدأ الفن يلتمع في جبين الإسلام.
وهاهي دمشق الحبيبة التي أشرق من جنباتها القبس الأول من نور الفن الإسلامي فأضاء المشرق والمغرب، وخلق أصولاً وقواعد ترسم الغربيون خطاها ونسجوا على منوالها لا يتركونها إلا ليعودوا إليها حتى يومنا هذا. وهاهي دمشق تحتضن مؤتمر الآثار العربي وتحله اجمل قصورها (قصر العظم)، تحت رعاية فخامة رئيس الجمهورية السورية الذي أضفى على المؤتمر عنايته مما كان سبباً قوياً في نجاحه.
ويجدر بنا أن ننوه بجهود المنظمين وهم نخبة من أساتذة الآثار المبرزين وعلى رأسهم الدكتور زكي محمد حسن، والدكتور احمد بدوي. أما حضرات المندوبين فقد حاضروا في موضوعات شيقة عن تراث العرب نرجو أن يتم طبعها قريباً ليفيد منها العالم العربي التواق إلى هذه العلوم التي ظلت ردحاً من الزمن وقفاً على المهتمين من علماء الأجانب، يكتبونها بلغتهم وما تمليه عليهم أهواؤهم أما فقهاء الآثار من العرب فقد كانوا - سامحهم الله - لا يكتبون إلا بلغة من اللغات (الحية). أما العربية فكانت لا تحظى منهم إلا بجهد ضئيل.
أما المعرض الفريد الذي أقامه الأستاذ حسن عبد الوهاب بصورة - وهي كلها من روائع فنه - فقد أخرج بها زوايا مفصلة هامة للآثار الإسلامية أبرزتها في غاية من الفخامة والجلال.
ومما يثلج صدورنا نحن العرب أن نرى اليمن الشقيق يطرح اليوم سياسة العزلة والانطواء على النفس وان نرى عاهله العظيم، جلالة الإمام يحيى حميد الدين، يدفع ببلاده العريقة في تيار النشاط الدولي، فيظم جهد اليمن إلى جهود شقيقاته فيشتد ساعد العرب وتقوى الأسرة العربية، وهاهو نجله سمو الأمير سيف الإسلام عبد الله وساعده الأيمن الأستاذ العالم السيد علي، نزيل القاهرة الآن، دائبي النشاط فيما يفيد العرب ومما يذكر لجلالته بالثناء انه