كل الناس متفقون على أن ولْتر رِيد رئيس بعثة الحمى الصفراء، كان رجلاً ذا أدب جمّ ولطف كثير، لا يُؤخذ بملامة، ولا يُعوز ذمّتَه طُهْر؛ وكان يألف الاعتدال في أعماله، ويجري على المنطق في تفكيره؛ ولا شك أيضاً في أنه قامر بحياة آدمّيين فأقحمها المخاطر على علم في سبيل أبحاثه، ولم يكن له مندوحة عن ذلك، فالحيوانات تأبى كل الأباء أن تأخذ عدوى الحمى الصفراء
كذلك ليس بين الناس اختلاف في أن جيمس كارول وقد كان خشّاباً فيما مضى، كان على أتم استعداد للتضحية بنفسه في سبيل ما يريد ريدُ إثباته، وأنه لم يكن ممن تأخذه عاطفة أو رحمة بأرواح الخلق إذا ما أراد برهان أمر جلّ أو قل
كذلك يُجمع الكوبيّون وهم الذين شهدوا البعثة تعمل عن كَثَب في أرضهم، على أن الجنود الأمريكيين الذين تطوعوا بأجسامهم في التجارب عوضاً عن الخنازير الغينية المعهودة كانوا على جانب من الشجاعة لا يوصف. كذلك أجمع الأمريكيون الذين كانوا عند ذاك في كوبا وأكّدوا أن المهاجرين الأسبانيين الذين تطوعوا في التجارب مكان الخنازير الغينية لم يكونوا شجعاناً مخاطرين ولكن تجّاراً طامعين. أفَلْم ينقد كل واحد منهم مائتي ريال أجراً عن مخاطرته؟
وما من شك في أنك تستطيع أن تحني باللائمة الشديدة على القدر أن قسا تلك القسوة البالغة على جس لازار ولكن كذلك لا بد أن تنحى باللائمة عليه هو أيضاً، فهو الذي أبى أن يطرد تلك البعوضة التي وقعت على ظهر يده، وهو الذي أذن لها أن ترتوي من دمه ملء جوفها. والقدر إن كان قسا عليه فقد حنّ له من بعد موته وعطف على ذكره، فحكومة الولايات المتحدة سمّت باسمه مدفعية في ميناء بلتيمور إحياء له، ورتّبت لأرملته معاشاً