إن آراء طاغور التي توحد بين الشرق والغرب، آراء مفكر مثالي، عاش بوجدانه يستلهمه الحكمة، ويستوحيه المعاني الإنسانية، فلم يتعثر بمفاسد الحياة الدولية، ولم يختبر سوء نية الحكومات الاستعمارية إلا عن بعد؛ فاستطاع أن يدرك ما في المدنية الغربية من مثالب، وما في عادات الهند القديمة من ضعف وأن يصور لنا أنموذجاً فكرياً خالياً من شوائب الماضي والحاضر ولكن هذا النموذج المثالي ينقصه الاتجاه التنفيذي والناحية الإلزامية، كما لم يضع وسائل عملية، يستعان بها في تحرير القرب من المادية والأثرة وحب السيطرة، ولم يسن أساليب جديدة، تخرج الهنود من عزلتهم، وتدمجهم في تيار الحياة الحديثة بخلاف غاندي الذي عرك الحياة السياسية، واحتك بخبث الحكومات الإنجليزية، فتكشف له خداعها وغدرها، وتبين له بجلاء أنها تهدد باسم الدفاع عن الحرية، وباسم الشرف والحق جميع الأنظمة الخلقية التي تحدد علاقات الأمم بعضها ببعض، وتلهي الشعوب الخاضعة لسيطرتها بالوعود الكاذبة، لتنال منها ما تريد. فاتضح لغاندي أن الروابط الدولية لا تستند على أي أساس خلقي، وإنما تخضع للأهواء والمصالح، وتستند على الغش والخيانة. وأن الدول الغربية لا تجعل للحياة إلا غرضاً واحداً، هو النفع المادي أو الإصلاح المادي أو الرقي المادي، ولا تعترف بالحياة الروحية أو بالقيم الإنسانية. فاستعبدتها المادة لدرجة أنها لا تحجم عن ارتكاب ذي جريمة تتنافى وكرامة الإنسانية في سبيل الحصول على هذه المادة الحقيرة. وأخذت تسترق الشعوب وتسلبها مواردها الطبيعية، وتتلف حيويتها وتفسد أخلاقها، حتى لا تنتبه للذي يسرقها.
فأدرك غاندي بثاقب بصيرته أن مدنية الغرب ليست بالمدنية المثالية، ومن الجرم أن تعتمد عليها الهند في نهضتها، لأنها لن تفوز بمجد، إلا إذا رجعت إلى تراث حضاراتها القديمة وبعثته من جديد في صورة تلائم روح الهنود العصرية؛ ورفضت أن تأخذ من الغرب شيئاً؛ وعملت على أن تتخلص تدريجياً من كل ما شاع بين أبنائها من الغرب، لتتحرر نهائياً من تأثير حضارته المادية الضار بحياة الهنود. فلم يدع غاندي إلى اتحاد الشرق والغرب، لأنه وجد الغرب يستعبد الشرق، ويستغل خيراته، ويستنزف أرزاق أهله. ولم