قرأت ما نشر في (الرسالة) بإمضاء (صديق) وما نشر بإمضاء الأستاذ علي الطنطاوي، وكذلك قرأت ما نشر في جريدة (الدستور) بإمضاء الأستاذ محمود محمد شاكر، والأستاذ محمود حسن إسماعيل، وما نشر في جريدة (منبر الشرق) بإمضاء الأستاذ أحمد جمعة الشرباصي، وسمعت الملام من بعض الأصدقاء، وذلك كله كان تعقيباً على المقال الذي نشرته في (الرسالة) بعد سقوط باريس تحت أيدي الألمان
ويظهر أن أولئك الأصدقاء تناسوا أني حددت فكرتي بأوضح بيان حين قلت: إني جزعت على مصير فرنسا الروحية لا فرنسا السياسية، فقد حاربت الاستعمار بقلمي أعواماً طويلة، وقمت بحملة قلمية ضد فرنسا وأنا في باريس بمناسبة الحوادث التي أريد بها تنصير البربر، وخطوت خطوات في أندية باريس لصد ذلك العدوان
فما الموجب للقول بأني أتوجع لأمة صنعت ما صنعت في الشرق، وقد وضحت غرضي تمام التوضيح؟ وما الموجب لأن يتفضل كاتب كبير مثل الأستاذ المازني فيغمز جميع من توجعوا لباريس بمقال لاذع من مقالاته القيمة في البلاغ؟
أيجوز أن يقع حادث مثل سقوط باريس ولا يتوجع له روح الأديب؟
وكيف جاز إذاً لكبار شعرائنا أن يتوجعوا للأمم التي آذتها الزلازل من أمثال الطليان واليابان؟
وما قيمة الأديب إن لم يتأثر بالحوادث الخطيرة في هذا الوجود
ما قيمة الأديب إن لم يتوجع لمصاب العدو كما يتوجع لمصاب الصديق؟
في تاريخنا الإسلامي نقطة بيضاء هي ما صنع صلاح الدين حين جزع لمرض عدوه وهو ملك نصراني قاد جيشاً لمحاربة المسلمين في فورة الحروب الصليبية، فقد سجل التاريخ أنه اهتم بمداواة ذلك الملك النصراني، وكانت مكرمة مأثورة من مكرمات صلاح الدين
فكيف يعاب علينا أن نجزع لنكبة الفرنسيين ولو صح أنهم في جميع أحوالهم أعداء؟
وأقول للمرة الأولى بعد الألف إنني لا أصدر فيما أكتب إلا عن وحي القلب والضمير، ومن الصعب أن ألتفت إلى النصائح الثمينة التي يوجهها الأصدقاء من حين إلى حين،