إلحاقاً بكلمتي المنشورة بالعدد ١٠١٦ عن الأدب المصري القديم والتي أشرت فيها إلى انقطاع الصلات الثقافية والحضارية بين شعب مصر اليوم وبين القدماء المصريين أسوق هذه الملاحظات الموجزة حول ما خاض فيه بعض الكتاب في بعض الصحف اليومية من حديث عن الألقاب (الفرعونية) بمناسبة ما ثار حول إلغاء الألقاب من كلام:
ادعى بعض الكتاب الأفاضل أن لقب (سي) للرجل ولقب (ست) للمرأة هما من بقايا اللغة المصرية القديمة على ألسنة المصريين اليوم وأن هذين اللقبين كانا مستعملين ذلك الاستعمال عينه وبهذين اللفظين عينهما في مصر الفرعونية.
وعندي أن في نسبة هذين اللفظين إلى اللغة المصرية القديمة كثيراً من النظر؛ فالمعروف أن لفظ (سي) هو تحريف لكلمة (سيدي) العربية الصحيحة. وكذلك لفظ (ست) فهو تحريف لكلمة (سيدتي) على ما جرى عليه لسان العامة من اختصار الألفاظ بحذف بعض حروفها.
ومما يدحض دعوى الفرعونية عن هذين اللقبين ذيوعهما في جميع الأقطار العربية اليوم وبصفة خاصة في الغرب: ولا أظن أن هناك من يزعم أنه كانت للفراعنة بالمغرب صلة من شأنها أن تحفظ على ألسنة أهله ألفاظاً فرعونية حتى اليوم؛ إنما هي ألفاظ عربية صحيحة وإن نالها التحريف الذي يصاحب اللهجات العامية دائماً.
هذا وإن لفظي (سي) و (ست) قد وردا في نصوص عربية قديمة يحضرني منها الآن البيت الذي رواه أبو العلاء في رسالة الغفران على لسان ابن القارح يخاطب إحدى جواري السيدة فاطمة الزهراء مستعيناً بها على عبور الصراط:
ست إن أعياك أمري ... فاحمليني زقفونه
(وزقفونه أن يحمل الشخص شخصاً آخر وبطن المحمول إلى ظهر الحامل ويداه على كتفيه).
والواقع أن ورود هذين اللقبين في كلام عربي قديم، مضافاً إليه انتشارهما في كافة الأقطار العربية لا في مصر خاصة لهو مما ينفي عنهما شبهة الفرعونية التي لم يقم عليها - على أية حال - دليل مقنع.