جانب الموضوع القوى أن يخلق لنا شخصية (فولستاف) الحية الممتازة التي تجمع بين الجد والفكاهة جمعاً بلغ الذروة في كل منهما، واستطاع في مسرحية (يوليوس قيصر) أن يخلق لنا شخصية (بروتس) الخالدة التي ما تفتأ تشير في النفوس عاطفة الانتقام. . ولكن شخصيات عزيز أباظة شخصيات باهتة لا تعرف لها ملامح ولا قسمات ولم يلق الأستاذ عليها من الأضواء ما يجلوها للناس، بل لم يلق باله إليها إطلاقاً وإنما كان كل باله إلى الشعر دون سواه، على أن شاعرنا الكبير يقع في أمور كنت أود ألا يقع فيها، فهو يقول (أخ الملك الغوي) والصواب أن يقول (أخو الملك الغوي) ويقول (ركبنا الهوى والأثام الشنيعا) يريج افثم، وليس الأثام هو الإثم وإنما جزاء ذلك الإثم والله يقول (ومن يفعل ذلك يلق أثاماً) وغير ذلك مما لا يجوز من شاعر كبير كالأستاذ عزيز أباظة. . ولو أن الأستاذ عني بحادثة الغرام الحقيقي بين بثينة ومحمد بن سراج والغرام الوهمي بينها وبين الأمير (يحيى) لجعل منه مسرحية، ولو اختزل شيئاً من حوادث التاريخ واستبدل به صورة حية أو صورتين تنبضان بالحياة لخلق لنا مسرحية، ولكنه لم يفعل! وأشهد لقد أنفق الممثلون مجهوداً جباراً شديداً. ولقد كنت أشفق على (أمينة رزق) وهي تبذل من ذات قلبها ومن ذات نفسها لتنفخ الحياة في دورها واستطاعت ذلك إلى حد كبير رغم العقبات اللفظية التي كانت تنوء بحملها، وأشهد لقد استطاع (فؤاد شفيق) واستطاع (حسين رياض) أن يلونا كلامهما ويملأه بالحياة والمعاني، وقد كان دور ثانيهما مما لا ينبض به إلا أولو العزم. أما (فردوس حسن) فقد كانت جامدة كالتمثال وتأبي إلا أن تكون أميرة في كل الأوقات! ونسيت أنها كانت تقوم بدور العاشقة المخادعة لمخاتلة!.
وبعد: فهذه كلمة عابرة في مسرحية (غروب الأندلس) وليس الذي سقنا فيها بمانع أن نموه بما ينفق الأستاذ عزيز أباظة من جهد حميد للشعر والأدب، ولكننا نريده للمسرح أيضاً. إن الشعر أفضل ما فيه، فهل يجمع إليه الفن المسرحي الذي هو اليوم جماع الفنون جميعاً؟ وعند ذلك تسقط حجتنا ولا نستطيع أن نقول له يومئذ ما نستطيع أن نقوله له اليوم من أن إلهة الشعر قامت عن ميامنه ولكن ربة المسرح لم تقم عن مياسره؟.