(الأيامب) عند الأوربيين يوم كان لا يزال مسرحهم يقول شعراً! أما اليوم فقد خفت صوت الشعر في مسرحهم خفوتاً كبيراً ولم يبق فيهم إلا مثل (ت. س. إليوت) وهو رجل متشائم حزين ضيق بالحياة يحن إلى يوم الخلاص منها يقول فيما يقول (نحن أشكال بلا قوالب، نحن ظلال بلا ألوان؛ نحن قوى مشلولة، نحن إشارات بلا حركة).
وأريد أن أدفع وهما قد يتبادر إلى بعض الناس من أن شهود جمهور الناس لمثل هذه المسرحية دليل على وعيهم وارتفاع مستواهم، فهذا قول مردود؛ لأن مثل هذه المسرحية - بما احتشدت به من العطات والخطب والحكم الغوالي - إنما تخاطب في الناس غرائزهم الأولى وعواطفهم المجردة، عواطفهم الدينية والوطنية والخلقية وما إلى ذلك، إنهم لا يتعمقون فهمها واستكناه بواطنها ولكنهم يفهمونا فهما عاما كله ضباب وظلام، إنهم يرقصون من جرس ألفاظها كما يرقص الزنوج تماماً على دقات الطبول، وليس هذا من وظيفة المسرح في شيء!.
والمسرحية تدور حول الأيام الأخيرة لدولة العرب في الأندلس، وليس فيها موضوع متصل يسري فيها وينفخ الحياة في جوانبها، ولكنها صور متلاحقة متتابعة - وإن كانت قليلة إلى جانب ما يكتنفها من كلام كثير - تتعاقب وتترى كما تقلب تماماً صفحات من كتاب في التاريخ. . الأميرة (بثينة) تغري الأمير (يحيى) بإطلاق السجناء من ذويها، فيطلق الأمير هؤلاء السجناء، ثم يجتمع هؤلاء الطلقاء ويجنحون إلى (بني سراج) فينضمون إليهم، ويتكالفون على الملك، ثم يعتزل الملك ملكه؛ ثم يتولى ابنه؛ ثم ثم ثم الخ؛ وتنسدل الستارة في نهاية كل فصل ببيت من طراز الخطب المنبرية التي تصفق لها الجماهير طويلا، فينتهي الفصل الأول - مثلاً - بقول الشاعر:
من لم يدعم بالأسنة ملكه ... والحزم. . . بات مفزعا لم يسلم!
وينتهي الثالث بقوله:
واضيعة الإسلام إن لم تقهروا ... أهواكم. . . واضعية الإسلام
وهكذا تمضي المسرحية وكأنها ديوان شعر، فلا نرى موضوعاً ينبض بالحياة، ولا نرى شخصيات قد رسمها لنا المؤلف رسماً تبدو ملامحه وقسماته في وضوح وامتياز. . . لقد عالج شكسبير المسرحية التاريخية ولكنه استطاع في مسرحية (هنري الرابع) مثلا إلى