للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الشعر في العصر المملوكي هل يمثل الحياة فيه؟]

للأستاذ يوسف البيومي

نستطيع أن نقول نعم ولا نكون مجازفين، ونستطيع أن نقول لا ولا نكون مبعدين.

نستطيع أن نقول أن الشعر في هذا العصر على الرغم من جنوحه إلى التقليد والصنعة قد يستطيع الباحث المنقب أن ينظر من خلاله أحياناً إلى بعض مظاهر الحياة سياسية أو اجتماعية. ونستطيع أن نقول إن الشعر قد صمت عن أهم مظاهر الحياة في هذا العصر فلم يفصح عن رأيها فيها: صمت عن مظالم العصر، ومفاسد المماليك أمراء وسلاطين. وصمت عن المفاسد الاجتماعية ووصف ملاهي مصر والقاهرة ومغانيهما وما كان يحدث عند الاحتفالات للأعياد القبطية وغيرها من تجاهر بالفسق والدعارة، ومن تظاهر بشرب الخمر والحشيش. وإذا صمت عن هذين ثم تحدث عن غيرهما فإنه يكون حديثاً لا فائدة منه ولا غناء فيه.

نستطيع أن نقول ذلك كما نستطيع أن نعلل قلة ما ورد من الشعر في هذين الموضوعين الخطيرين بضياع جل الشعر الذي قيل فيهما ضمن ما ضاع من أشعار الشعراء ودواوينهم وهو كثير

ولما كانت مظاهر الحياة قد تعددت في هذا العصر وتنوعت فأنا سنقسمها وندرس كل قسم على حدة لنستطيع أن نبين عن هذا الإجمال بالتفصيل ممثلين.

خضع الشعب لحكم استبدادي قاس أبنا عن قسوته ووصفنا موقف الشعب منها وعللنا هذا الموقف فيما سبق ونذكر الآن أن موقف الشعر من هذا الحكم الظالم، ومن حياة السلاطين الخاصة وقد ملئت دعارة وفسقاً - إلا في القليل النادر - لم يختلف عن موقف الشعب عامة والعلماء خاصة، فتكميم الأفواه وحبس الحريات، وكبت الشعور كان قدراً مشتركاً بين عامة الشعب وخاصته بين السوقة والكتاب والسراة ورجال الدين. ولكنا رأينا أحياناً تنفيساً عن الصدور المخنوقة ببعض المقطوعات وأكثر ما كان ذلك حينما يولي زمن السلطان أو الأمير وتذهب دولته ولا يجد الشاعر في ذلك حرجاً ولا يخشى منه بأساً. بل حينما يرى في ذلك إرضاء لخلفاء ووارثي الملك بعده أو مغتصبيه منه.

كان المظفر حاجي مغرماً ببعض المغنيات منقطعاً إليهن عن النظر في أمور الدولة فأرغم

<<  <  ج:
ص:  >  >>