على إخراجهن من القصر فكانت بنفسه عليهن حسرة لم تنقض. وقد حاول أن يتسلى عنهن بلعب الحمام الذي أنفق عليه أموالاً ضخمة، وقد ذكرنا ذلك فيما تقدم (في رسالة الشعر في عصر المماليك) ونريد أن نذكر الآن أنه لما قتل ذبحاً قال صلاح الدين الصفدي:
أيها العاقل اللبيب تفكر ... في المليك المظفر الضرغام
كم تمادى في البغي والغي حتى ... كان لعب الحمام جد الحمام
وقال فيه أيضاً:
حان الردى للمظفر ... وفي التراب تعفر
كم قد أباد أميراً ... على المعالي توفر
وقاتل النفس ظلماً ... ذنوبه ما تكفر
وكان الناصر (حسين بن محمد بن قلاوون) مغرماً بالنساء ويستصحبهن معه في أسفاره (لأنه لم يكن له ميل إلى الشباب كعادة الملوك من قبله) فلما قتله يلبغا قال بعض الأدباء في قصته مع يلبغا ومحبته للنساء موجهاً أسماء سور من القرآن الكريم - ونلاحظ أن الشعر قيل بعد مقتله كما نلاحظ أن الرغبة في التوجيه هي مبعث هذا الشعر:
لما أتى للعاديات وزلزلت ... حفظ النساء وما قرا للواقعه
فلأجل ذاك الملك أضحى لم يكن ... وأتى القتال وفصلت بالقارعه
لو عامل الرحمن فاز بكهفه ... وبنصره في قصره في السابعة
من كانت القينات من أحزابه ... عطعط به الدخان ناراً لامعه
تبت يدا من لا يخاف من الدعا ... في الليل إذا يغشى يقع في القارعة
وكان سنجر الشجاعي مشد عمارة مدرسة قلاوون ووزير الديار المصرية في عهد الناصر محمد بن قلاوون من أقسى المماليك وأظلمهم، فلما قتل وطافوا برأسه على مشعل قال سراج الدين الوراق:
أباد الشجاعي رب العباد ... وعقباه في الحشر أضعاف ذلك
عصا ربه فالعصا نعشه ... وشيع للدفن في نار مالك
والشجاعي هذا هو الذي يحذر ابن السلعوس منه بعض الشعراء حيث يقول:
تنبه يا وزير الأرض واعلم ... بأنك قد وطئت على أفاعي