مضت مئات كثيرة من السنين قبل أن يحدث الحادث التالي العظيم: حدث عندما صار للإنسان قدرة حقيقية على الاختراع أن رجلاً امتاز عن معاصريه امتيازاً عظيماً في رجحان العقل وحدة الذكاء قد لاحظ سرعة التيار في مجرى الماء وهو يكتسح كل شيء في سبيله، فوضع به عجلة بحيث يمكن أن تديرها قوة الماء، ثم جعل حول هذه العجلة ما يشبه الزعانف لتكون كمجاذيف السفينة في تلقيها ضغط الماء.
لما استطاع الإنسان أن يجعل قوة الماء الجاري تدير له العجلة واستطاع أن يربط هذه العجلة من مركزها بتدبير خاص يمكنه من رفع الماء بواسطة الدلاء - لما استطاع الإنسان ذلك انتصر انتصاراً استحق أن تحييه من أجله الأجيال لأنه بذلك قد تمكن من صنع آلة تدور من نفسها وتخطى الدور الذي يمكن فيه استخدام الآلة التي يجب أن يزودها بقوة الدفع من عنده، كما تجاوز أيضاً نظرية الروافع التي احتاج في تطبيقها إلى جزء من قوته يضاف إليه القوة التي مصدرها قانون الآلة، أما فيما يتعلق بالقوة التي يديرها الماء فإنه قد اخترع منها آلة يديرها الماء نفسه لرفع الماء ويقتصر جهد الإنسان فيها على الوقوف بجانبها ومراقبتها.
من تلك اللحظة بدأ عهد الآلات التي تدور من تلقاء نفسها، ومن تلك اللحظة رفع الإنسان نفسه عن مستوى الكادح الذي تتوقف نتائج عمله على مقدار جهده أو جهد ماشيته، وأضاف إلى جهد الإنسان أو الحيوان عنصراً طبيعياً هو قوة ضغط الماء.
في ذلك اليوم المجيد بدأ الإنسان يتحرر من رق العمل، وبدأ يسلك طريقاً طويلاً يستعين فيه بجهده الذهني بدلاً من الجهد العضلي.