يقول الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون، إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة، فهل انتم منّهون) صدق الله العظيم.
ما هي الخمر؟ هي كل شراب يغطي العقل ويضع عليه ستراً فيجعله لا يدرك حقائق الأمور ولا تستضيء بصيرته بنوره، أي أن كل ما أسكر فهو خمر وهو حرام.
وقد سمي الشراب المخصوص خمراً لأنه كالخمار في تغطية المحاسن وسترها، فمتعاطيها قد طبع الله على بصيرته وختم على قلبه فلا يدرك المحاسن، ولا يعرف المضار والمساوئ، ويعمى عن رؤية ما يحيط به من الأشياء، إذ أنها تسلب العقل وهو النعمة الكبرى من الله تعالى لعبده، والناس قبل الإسلام كانوا على تناول الخمر كفين، فلو أمرهم الله بتركها بادئ ذي بدء فقد يكون ذلك باعثاً لكثير منهم على الإعراض عن الإسلام ونبذه، فقد أختلط حبها بقلوبهم اختلاط الدم بجسمهم، لذلك لم يفاجئهم بالتحريم فأنزل الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم (يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما) فترك الخمر قوم ولم يزل يعاقرها آخرون
ثم نزل بعد ذلك قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون) فتركها الجميع عند الصلاة.
ولما قوي الإسلام في نفوسهم، وزالت أسباب تناول الخمر، وأزداد اليقين والحرص على الطاعة بين الله لهم حكمه بياناً شافياً فقال (يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون) فاجتنبوه اجتناباً تاماً في الصلاة وفي غيرها.
نرى من ذلك كيف تدرج الله سبحانه وتعالى في تحريم الخمر خطوة خطوة، حتى لا يكون في تحريمها على مدمنيها عنت ومشقة، هذا وإن في هذا التدرج لحكمة طبية أخرى، يعلمها الخبير اللطيف بعباده، فإن منع الخمر عن مدمنيها مرة واحدة يسبب مرضاً خطيراً، هو هذاء السكارى، فتراه يصبح ضائق الصدر، قلق النفس، لا يطمئن جنبه إلى مضجع، وقد