استعصت على الكرى جفونه، ترتجف منه اليدان، ويتلعثم اللسان، ويزداد نبضه، ويضطرب قلبه، وتذوى نضرته، ثم يصاب بتخيلات وأوهام، فتراه كمن يتلمس شيئاً، أو يتوجس صوتاً، فتارة يتخيل عدوا أمامه مهاجماً، وطور يتخيل سماع أصوات مزعجات مما يؤثر ذلك على عقله ويشوش فكره، فيعتريه مس من الخيال وقد يجري من أمام هذه المرئيات، أو يفر من سماع هذه الأصوات، وقد يقفز بنفسه من شباك، ثم تزداد بعد ذلك حالته سوءاً وضعفاً حتى تنتهي بإغماء وموت. فالله الرحيم بعباده لم يشأ يعرضهم لهذا الخطر، فأنتقل معهم من دور الى دور
علاج رباني حكيم، وقى الناس شر هذه السموم
والآن نتكلم عن الخمر من الوجهة الطبية.
أولا: تأثير الخمر في الجهاز الهضمي، بملامسة الخمر لسطح الفم، تهيج إفراز عدد اللعاب ويزيد ذلك من إفراز عصير المعدة مثل تأثير الطعام إذ لامس اللسان. ولكن هناك فارقاً كبيراً بين تأثير الطعام وتأثير الخمر، فالخمر تزيد في تدفق العصير ولا تؤثر في إفراز خميرته التي تساعد على الهضم، وهذا العصير الناشئ من تأثير الخمر يعجز عن تحليل المواد الزلالية وهضمها كما أنه يسبب تهيجاً للمعدة.
ثانياً: تأثيرها في الجهاز الدموي: تزيد الخمر من سرعة النبض وتسبب اتساع أوعية الدم السطحية، وهذا يفسر لنا سبب احمرار وجزه متعاطي الخمر، فليس هذا الاحمرار إذاً علامة للصحة ولا دليلاً على قوة، إن هو إلا دم اتسعت أوعيته الخارجية فوضح، في حين إن الأوعية الداخلية انقبضت، أي أن مقدار الدم في الجسم واحد لم يتغير ثم أن الخمر تسبب ارتفاعاً في ضغط الدم وبذلك تعرض مرتفعي الضغط للخطر.
ثالثاً: الخمر والجهاز العصبي: إن أكبر تأثير للخمر في الجهاز العصبي، فليس غريبا عنا من نشاهدهم في الطرقات وقد غاض عنهم ماء الحياة، وحلوا عقد التحفظ، فأصبحوا لا يستطيعون كبح جماحهم، فهم يتخبطون ذات اليمين وذات الشمال، يرسلون كلامهم على عواهنه دون وجل.
فالخمر تأثيرها تخميل وإرداء للأعصاب، وما الأعراض السابقة التي نشهدها فيمن يشرب فيهرف بما لا يعرف، إن هو إلا تخميل للمراكز المسكنة، فالتخميل يبدأ في مراكز المخ