في الحياة أزاهير تقضي أعمارها منثورة هنا وهنالك، لا يكاد يشعر إنسان لها بوجود، متواضعة في أرضها، منعزلة عن الأعشاب الطويلة والأزهار المنتصبة. تعطر الفضاء بانفاسها، فهو أنم عليها من الصبح!
وهنالك شعراء يعيشون في أجواء عواطفهم في عزلة نائية عن الناس، إذا ترنموا فإنما ليطربوا أنفسهم، وإن بكوا فإنما يبكون لتصيب أدمعهم زهرات أمانيهم، كما تصيب الروضة قطرات الطل، هؤلاء لا يعرفهم الناس لأنهم ما شاؤا أن يعرفوهم، فهم (وأنفسهم تسكب الألحان) كالأزاهير المنسية، وقد ملأت الفضاء أريجا.
ومن هؤلاء الشعراء صاحبة هذه الترجمة وهذا الشعر الوجداني، من شاءت ان تقضي حياتها هامسة بأنغام نفسها، ليس في قلبها وبين الوجود إلأ ترجمان الحس والعاطفة:
هذه هي مارسلين. . .
ولدت في (دواى) في بيت تسود جوه روح الفاقة، ويغلب على قلوب أصحابه شيء من الأيمان الذي يضحي بكل شيء إلا بنفسه، فيبعث هذا الأيمان في صدورهم من الراحة والطمأنينة والرضا ما لا تبعثه مظاهر الثروة الضخمة، على أن (أمها) جربت أن تنقذ الأسرة من مرارة الفقر، فركبت وابنتها إلى (بوردو) حيث تنتظرها ثروة قريبة. فاتخذت مارسلين الصعود إلى المسرح مهنة، ترضى بأجرها اليسير، ولكن الحظ أبى إلا أن يسود الصفحة الأخيرة، لأن هذه الثروة الموهومة قد تدهور أمرها قبل أن يدركا قريبتها، فأصابت أمها (حمى صفراء) أودت بحياتها، فآبت الابنة على الأثر، وعوامل اليأس والخيبة تطغي عليها.
الحياة!! كيف تعمل على تأمين أسبابها؟ فتذرعت (بالخياطة) مهنتها الأولى، وامتزجت مع الممثلين والممثلات، تقف عليهم صناعتها، فجدد هذا الاختلاط رغبتها الباطنية في العودة إلى المسرح، فعادت اليه ونالت كثيرا من مظاهر الاستحسان والتصفيق على مسرح الفنون في (روان) ولكن ما عسى تجديها هذه المظاهر؟ وهي التي كتبت في مذكراتها (ما أكثر ما