هو الشيخ الأجل، والعالم العامل، القدوة الورع، نزيل القاهرة أصله من القبيلة الأفريدية النازلة في مضيق جبل حيدر المشهور الآن بجبل خيبر الفاصل بين الهند وبلاد الأفغان، ولد ونشأ به، ثم رحل إلى الهند لطلب العلم وهو في الحادية والعشرين، فورد لكنهوه وهي حافلة بالعلماء، فقرأ العربية والمنطق والحكمة والعقائد والتصوف والفقه الحنفي والطب والرياضيات على الطريقة القديمة حتى صار من الفحول المشار إليهم مع العفة والتقوى والتشدد في الدين. ثم ساح في أغلب بلاد الهند وجعل اكثر إقامته في لكنهوه، ثم بدا له السفر إلى الحجاز لقضاء فريضة الحج فسافر إليه حوالي سنة ١٢٧٢ وقعد قضاء المناسك ورد على مصر ونزل بالأزهر برواق الأفغانية المشهور برواق السليمانية، فاجتمع به هناك جلة العلماء مثل الشيخ حسين المرصفي وغيره، وبلغ خبره محمداً أفندي الأفغاني المشهور بالكشميرجي تاجر المطارف الكشميرية بجوار خان الخليلي فاجتمع به وصوب له الانتقال إلى مكان فوق حانوته فاكترى به محلا وانتقل إليه وأقام به نحو تسعة أشهر، وتسامع به الأكابر مثل حسن باشا المنسترلي كتخدا مصر وإسماعيل باشا عاصم، فسعوا إليه وزاروه، وبلغ خبره الأمير احمد باشا رفعت ابن إبراهيم باشا والي مصر من محمد أفندي الأفغاني فاشتاق لرؤيته، إلا أنه كان على قدم السفر إلى ضيعة له فأرسل له خمسة وعشرين ديناراً حباه بها.
ثم سافر المترجم إلى دار السلطنة واجتمع هناك بعارف حكمت بك الذي كان شيخاً للإسلام وبغيره من العلماء، فظن عارف بك أن مجيئه لطلب منصب علمي أو فتح (تكية) أو نوال صلة، وسأله عن ذلك ووعده بالمساعدة فعرفه المترجم حقيقة أمره، وانه ما ورد إلا للسياحة. وأقام بدار السلطنة نحو عشرة أشهر، ثم سافر منها إلى الشام، ومر بأزمير وتسامع به علماؤها فحضر له كبيرهم إلى السفينة، وسأله النزول وألح عليه فقبل، وأقام عندهم عشرة أشهر أخرى قرأ لهم فيها ديباجة الفتوحات المكية. ثم سافر على غير رغبتهم إلىالشام، فلقى من علمائها إكراماً زائداً واحتفالاً كبيراً لا سيما من كبيرهم الشيخ سليم العطار، وتلقوا عنه بعض رسائل منها تشريح الأفلاك في الهيئة، وفصوص الحكم لابن العربي، ثم أراد الشخوص إلى بغداد، ولكنه استصعب السفر إليها براً لكبر سنه وبدانة جسمه، فعول على السفر إليها بحراً، وأتى مصر بنية السفر منها في البحر الأحمر وخليج