فارس إلى البصرة ومنه إلى بغداد، فلما وردها أنزله السيد احمد الحسيني شيخ طائفة النحاسين بداره وقام بشؤونه أتم قيام، وتراخت عزيمة المترجم عن السفر، وبدا له أن يتخذ القاهرة دار إقامة ما شاء الله تعالى فانتقل إلى ٠١٢ مكان اكتراه بخان الخليلي وأقام به بضع سنوات منكمشاً عن العالم مقبلا على شأنه، مواظباً على الإقراء والتدريس، ولم يكن معه غير أحد تلاميذه، وعلى هذا التلميذ قرأ شيخنا العلامة الشيخ حسن الطويل خلاصة الحساب لبهاء الدين العاملي.
ثم لما كانت ولاية إسماعيل باشا على مصر أجرى على المترجم عشرة دنانير في الشهر تصرف له من الحكومة، واستصوب أبو بكر راتب باشا ناظر الأوقاف إذ ذاك انتقال الشيخ إلى مدرسة محمد بك أبي الذهب التي بجوار الأزهر فانتقل إليها وسكن بها في قاعة الشيخ الصبان الذي كان موقتاً لهذه المدرسة، وأقام المترجم بها نحو أربع سنوات، ثم وافاه أجله المحتوم في ربيع الثاني سنة ١٢٨٧، وقد جاوز التسعين ودفن ببستان العلماء في مقبرة المجاورين ومات من غير عقب لأنه لم يتزوج في حياته.
وكان ربعة أبيض اللون واللحية كثهاً، كبير الهامة، بديناً مهيباً إذاسار في الطريق قام له الناس من يعرفه ومن لا يعرفه، حليماً متواضعاً عفيف النفس زاهداً، مع كمال عقل وحسن فراسة. وكانت له اليد الطولى في كافة العلوم، وكان الشيخ مصطفى العروسي شيخ الأزهر يعرف له قدره، ويزوره بمدرسة محمد بك. ولما مات الشيخ الباجوري وبقى الأزهر بلا شيخ اكتفاء بالوكلاء، ولهج الناس بضرورة إقامة الشيخ قال الشيخ الأشموني لو استشرت في ذلك ما رضيت بسوى الشيخ محمد أكرم، فانه رجل له جانب مع الله، وبلغ المترجم قوله فتبسم وقال مالي وأزهرهم، لو عرضوا عليّ ولاية مصر ما قبلتها، رحمه الله تعالى رحمة واسعة.