وقد كتب عنه فتش قائلا (لقد نظر نحو المجتمع الإنكليزي فرأى الأغنياء يسعون في جمع المادة وكنزها فيقومون بمختلف الأعمال للحصول على هذه الأمنية ورأى الطبقة المتوسطة تتدانى فتصبح مبتذلة محتقرة، والطبقة العامة تنحط فتصبح بمستوى الوحوش والحيوانات).
وكانت الطبقة الوسطى موضع حملاته ومسقط إهانته وازدرائه وقد أطلق عليهم الفلسطينيين خفضاً من شأنهم وإنزالا من أمرهم. وقد وصفهم:
(هم محصورو التفكير، تطغي عليهم روح التحامل والتفرض فيهملون أمور الدين والعقائد ويتمسكون بأفكار تدل على صغر عقولهم وضآلة قوة التمييز فيهم. فلا يستهويهم الجمال بذلك الشعور القوي المندفع؛ بل يحسون احساسات خالية من المنطق وحسن التمييز. أخلاقهم منحطة وعواطفهم مبتذلة).
ولم تكن هذه الأفكار صادرة عن قلة اختبار أو عدم حنكة؛ كان مبعثها التجربة فلقد اختط أرنولد لنفسه خطة جعلته يختلط بهذه الطبقة ويمتزج بها امتزاجاً ساعده على تفهم عقليتها. فالفلسفتين في رأيه هو ذلك الرجل الذي لا يستطيع أن يفهم الآداب ولا يستسيغها ذوقه فهو يتظاهر باطلاعه على معظم الأمور بينما هو في الحقيقة على جانب عظيم من الجهل لا يشغله إلا حضور حفلات الشاي وسمر الأصدقاء والخلان.
إن هذا التحليل الفلسفي الذي نراه في كتابات أرنولد لأخلاق شعبه لعلى جانب عظيم من الصحة والصدق، ولكن هذه الدراسة وهذا التحليل لم يكونا في يوم ما تامين؛ فهو لم يفهم حقيقة الطبقة الوسطى وأهميتها في المجتمع البشري، ناهيك عن جهله لديانتهم وعقائدهم، فقد نسي أو تناسى أنهم مصدر الحياة وينبوع في النشاط في كيان الأمة، فدولاب الأعمال في أيديهم وحركة التجارة والصناعة لا تخرج عن دائرتهم.