للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

كان أرنولد يمقت لقب البروفسور ولقب الفيلسوف ولكنه في الحقيقة كان فيلسوفاً بأتم ما يقدمه هذا الاسم من معان وصفات. وهذه الفلسفة التي نراها في مؤلفاته هي فلسفة ابتداعية ابتكرها من نفسه ولم ينقلها عن سابقيه كبار الفلاسفة أمثال ابيقور وسقراط وغيرهما؛ فقد أحب دراسة تاريخ الأديان، واطلع على أسس الديانة المسيحية وعقائد اليهودية الجديدة وحاول أن يمزج هذه العقائد ببعضها فيخرج لشعبه فلسفة دينية جديدة ويكون لهم فكراً حديثاً عن حقيقة الأديان وغاياتها.

وفي كتابه: (الثقافة والفوضى) نرى عقائده الفلسفية ظاهرة تمام الظهور ونظامه الفلسفي واضحاً أتم الوضوح؛ فالثقافة في رأيه هي التطور في سبيل الكمال، وتفهم كل ما يحيط بنا من حقائق وظواهر طبيعية وغير طبيعية مما يؤثر في كياننا الشخصي والعلمي. وما هي في الحقيقة إلا الإطلاع على أحسن ما فكر به العلماء والعقلاء من رجالات الأمم ونابهي أمرها. وفي هذا الكتاب نراها يسجل عقيدته المحبوبة التي أطلق عليها لقب (العذوبة والضوء)

وقد اقتبس أرنولد هذا التعبير من الكتاب الشهير جوناثان سوفت ولكنه اختلف عن سوفت بكونه عني به شيئاً يخالف تمام المخالفة ما عناه سوفت من قبل، فقد جعله اسماً لشيء أرقى وأسمى بكثير مما عناه سآلفه. فالثقافة تشمل نوعين يكمل أحدهما الآخر وهما المعرفة والطبع. وما النتيجة المتوخاة منهما إلا إنفاذ أمر الله وتحقيق إرادته مصحوبين بتحكيم العقل، وسعة الإدراك.

وكان للثقافة في رأيه أوجه عدة، فلم تكن لتختصر في الإحساس العلمي بل تتعداه إلى الميل الغريزي نحو العمل والمساعدة والسعي إلى ما فيه الخير العام. وكل هذه الأوجه مفيد ونافع من حيث أنه ينطوي على الرغبة في إزالة الهفوات البشرية وفي تنقية صفحة المجتمع بإزالة آثار التعاسة والبؤس منه. وما هي في الحقيقة إلا السعي في ترك العالم ومغادرته أكثر سعادة وأعظم شأناً من الحالة التي وجدناه فيها عند بداءة أمرنا.

ولم تكن الثقافة في نظره يوماً ما وليدة حب الاستطلاع والفضول بل حب الكمال وعدم النقصان. فما هي إلا دراسة الفرد لأحوال مجتمعه، ومحاولة سد كل نقص يجد، وفيه تندفع في طريقها تحفزها المعرفة ويقودها الشعور الأخلاقي الاجتماعي للسعي إلى ما فيه خير

<<  <  ج:
ص:  >  >>