احتلت القضية اللوبية في الأعوام الأخيرة مكانة دولية هامة استرعت أنظار العالم مما ترتب عليه انصراف عدد كبير من المختصين إلى دراسة شئونها كل فيما يختص فيه؛ وخرجت إلينا المطبع الإفرنجية بأبحاث شتى بخصوصها كان أهمها بالنسبة لموضوع اليوم ما يتعلق بتاريخها وجغرافيتها. على أن أهم ما يلفت النظر في هذه المؤلفات العلمية الحديثة اتجاهها اتجاهاً خاصاً في دراسة البلاد. هذا الاتجاه قائم على الدراسة المؤدية لأقسام البلاد الثلاثة بحيث أن كل قسم منها قائم بذاته وله خصائصه التي ينفرد بها. وليس التخصص أو الخوف من تضخم الكتب هو الذي دفع معظمهم إلى هذا المنهج ولكن هي الروح الانفصالية والتمهيد لذلك عن طريق العلم حتى تنتشر الفكرة وتعم فتكون نواة صالحة لتسهيل تنفيذ الأغراض السياسية وهكذا وجدنا الحقائق تلوي لياً وتطمس طمساً في سبيل الوصول إلى هذه الغاية. وهكذا وجدنا رجال السياسة يتخذون من هذه الحقائق على حالتها هذه عماداً لتأييد نظريتهم الرامية لتقسيم البلاد حتى يفوز كل منهم بنصيبه من هذه الفريسة التي وضحت أهميتها للعيان بعد الحرب العالمية الأخيرة.
كانت أهم النقط التي استند عليها بعضهم في التفريق بين برقة وطرابلس مثلاً أن الأولى خضعت للإغريق بينما الثانية خضعت للفينيقين، فقرطاجنة وأن الأولى كانت تكون ولاية رومانية أحياناً مع مصر وأحياناً مع جزيرة كريت في الوقت الذي كانت فيه طرابلس تلحق بأفريقية؛ وأن عرب الأولى معظمهم من قبائل سليم ومعظم عرب الثانية من بني هلال؛ وأن سكان الأجزاء الشمالية من لوبيا يرجعون إلى جنس البحر الأبيض، أما سكان فزان فيرجعون إلى السلالة الأثيوبية. وهكذا من الأدلة التاريخية المبعثرة التي يمكن أن يأخذ بها الإنسان إذا قرأها قراءة سريعة دون فحص أو تحليل.
وعلى العموم أن مثل هذه الدلة وغيرها وإن صحت حقيقتها لا تصلح أن تكون مؤيداً لهذه النظرية الانفصالية، لأنها تمثل الحالات الشاذة التي مرت بها البلاد، والتي لا يخلو منها تاريخ أي بلد. وماذا يكون الأمر إذا ثبت عكسها وأتت الأدلة بنقيضها؟
فنحن إذا نظرنا إلى خريطة لوبيا الطبيعية لا نجد من المظاهر الطبيعية كالبحار والأنهار