والجبال ما يصلح لأن يكون حداً طبيعياً بين هذه الأجزاء الثلاثة هذا الاتصال الطبيعي هو الذي جعل بعد الجزائريين القدامى يختلفون في تحديد كل إقليم ويخلطون بينه وبين الآخر؛ فهذا المؤرخ عندما يؤرخ للنزاع بين قورينا وقرطاجة يقول: (كان هناك سهل رملي على الحدود فيما بين البلدين ذو سطح متشابه خال من المعالم. ليس به جبل أو نهر حق يمكن بواسطته تحديد حدود هاتين المملكتين. . . وهذا ياقوت الحموي في معجم البلدان عندما يتكلم عن طرابلس يقول بأنها مدينة في آخر أرض برقة وأول أرض أفريقية وهكذا يجعل برقة تمتد غرباً حتى مدينة طرابلس، ويذهب بالوحدة بينهما إلى حد بعيد، حتى أنه أطلق برقة على معظم إقليم طرابلس. وهذا ابن وستة في كتابه الأعلاق النفيسة عند كلامه عن سرت يعتبر توزعه حد برقة الغربي. وهذا أبو الفدا في كتابه تقويم البلدان يتخذ من قصر أحمد ميناء مدينة مسراتة حداً غربياً لبرقة. وهذا ليون الأفريقي يصف المنطقة الممتدة من مسراتة إلى الإسكندرية تحت عنوان برقة، فكأنه يجعل من مسراته حداً غربياً لها. الرحالة المستر بتش وأخوه اللذان قاما برحلة علمية جغرافية من طرابلس إلى درنة في أيام يوسف باشا القرهمانلي يشاركان الرحالة ليون الأفريقي في هذا التحديد.
اختلفت هؤلاء المؤرخون والرحالة في تعيين الحدود بين هذين الإقليمين، ولهم الحق في هذا الاختلاف لأن الطبيعة وحدت بينهما وجعلت من الصعب الجزم بأي حد بينهما. وساعد على الربط خليج سرت الكبير بشكله المعروف. فنحن إذا نظرنا إلى خريطة لوبيا لاحظنا خلوها من الخلجان الفرعية والثنيات التي تصلح أن تكون أساساً لاتخاذها نقطة للفصل بين ساحلي الإقليمين، بل أن خليج سرت بشكله المقوس المستقيم يربط بين مسراته وبنفازي بنهايتيه.
ومن المسلم به بين علماء الأجناس أن الأساس الجنسي لكل من برقة وطرابلس يقوم على سلالة البحر الأبيض المتوسط. وكان من المعتقد قديماً أن قبائل الجرامنت صاحبة الحضارة الراقية والتي كانت تسكن في فزان في العصور القديمة ترجع في أصولها للسلالة الأثيوبية؛ ولكن النتائج الأخيرة التي وصلت إليها إحدى البعثات الإيطالية لدراسة الناحية الجيولوجية والبشرية لمنطقة فزان أثبتت عدم صحة هذا الرأي بعد زيارة وادي الاجال بقران وفحص مقابره العديدة، أرجعت أصولها الجنسية إلى سلالة البحر الأبيض مستدلة