للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

على ذلك بالحضارة الراقية التي كانت عليها القبائل الجرمنتية والتي لا بد أنها قد وصلت مع أهلها من الشمال. وهكذا كانت هذه الوحدة الجنسية في أساسها صالحة فيما بعد لأن تكون منسجمة أمام ما جد من تطور في الجغرافية البشرية لهذه البلاد وعدم اختلال التوازن الجنسي بين سكان هذه الأقاليم لما جد من فتح وغزوات كان لها أثرها الطبيعي في تكون الشعب اللوبي بصفة عامة.

يرى الذين يؤيدون فصل لوبيا الغربية عن لوبيا الشرقية أن هذا الفصل شيء طبيعي كانت له سابقة في التاريخ القديم تصلح أن تكون أساساً لهذه النظرية؛ فبينما خضعت برقة للإغريق انفرد الفينيقيون فالفرطاجنيون بطرابلس. وهذا التأييد التاريخي لحركة الانفصال صحيح إذا أخذنا به على علاته دون بحث أو تحقيق. ولكن إذا حللنا الأسباب التي دعت هذا إلى الفصل تبين لنا عدم صحة هذا الأساس الذي بنى عليه هذا التقسيم. فمن المعلوم أن الفينيقيين قد اضطروا لهجر الجزء الشرقي من حوض البحر الأبيض المتوسط أمام نشاط الإغريق وتحفزهم ولجئوا إلى الحوض الغربي وكان من حظهم أن أتوا إلى طرابلس. ولا شك أنهم فكروا في الساحل البرقي قبل أن يصلوا إلى الساحل الطرابلسي بحكم قربه إلى موطنهم الأصلي؛ ولكنهم رأوا في النزوح إلى الساحل البرقي ما يعرضهم لخطر الإغريق بشكل أفظع نظراً لواجهة برقة لبلاد اليونان مباشرة وهو الذين تركوا لهم شرق البحر الأبيض حتى لا يواجهوا الإغريق؛ ولهذا اضطروا إلى التخلي عن برقة والاكتفاء بساحل طرابلس. وليس معنى هذا التخلي التسليم بالتقسيم، ولكن الظروف هي التي أجبرت الفينيقيين على أنه إذا كان الأمر كذلك بالنسبة للفينيقيين فإن الإغريق بعد أن استوطنوا برقة حاولوا ضم طرابلس إلى برقة والتوحيد بينهما. فالتاريخ يحدثنا أن دوريوس الإسبرطي قد نزل بفريق من أتباعه عند مصب وادي كعام إلى الغرب من بلدة ظلي تن، وهناك أسس مستعمرة إغريقية عرفت بأسم قدر لها أن تعيش فترة من الزمن كانت كافية لأن تكون نواة لزحف الإغريق إلى طرابلس والتوحيد بينها وبين برقة. ولكن قرطاجة وهي التي هجر مؤسسوها شرق البحر الأبيض أمام الخطر الإغريقي لم تقف ساكنة أمام هذا الخطر الزاحف بل عملت على طرد الإغريق من هذا الجزء والقضاء على مستعمرتهم الناشئة.

<<  <  ج:
ص:  >  >>