للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[تجار الأدب. . .]

للدكتور أحمد فؤاد الاهواني

لا نقصد أولئك الذين يبيعون الكتب ناشرين أو وراقين، بل نعني أولئك الذين يتصدون للآداب والعلوم والفنون والفلسفة فيؤلفون فيهان ويطلعون على الجمهور بثمرة قرائحهم، لا يخدمون بذلك أدبا ولا يفيدون علما، بل يطلبون ربحا ويطمعون في ثروة فجعلوا من الأدب تجارة، وانزلوا العلم منزلة السلع الرخيصة.

ومن سوء الحظ أن هذه الظاهرة صبحت الحرب الأخيرة منذ بدايتها، إذا انقطعت أسباب الحصول على الورق، وتسنى لهؤلاء القوم بأساليب لا تمت إلى الشرف بصلة أن يحصلوا على الورق اللازم للطبع، ووجدوا المطابع متعطشة فدفعوا إليها بهذه الثمار الفجة، وخرجت إلى السوق هذه الكتب العجيبة. ليس فيها اثر من جهد أو بارقة من تفكير، وإنما هي ألفاظ مرصوصة يسود بها أصحابها صحائف الورق، ويملأون دفتي الكتب.

وكيف تريد أن يكون الأمر غير ذلك، وبعض هذه الطائفة يخرج في كل شهر كتاب، لو انفق فيه عالم يمتاز بالضمير ويتصف بالتثبت أعواماً لوجد أنه في حاجة إلى المزيد من الأعوام.

سئل أحد الناشرين: كيف تطبع لفلان؟ فقال: (إن الجمهور يقبل عليها كما يقبل على الفول السوداني) وهو تشبيه يقصد به إلى المدح والذم سواء. ولعله كان يرمي إلى التحقير فما عهدنا أن الكتب توصف بالتشبيهات المادية القليلة الشأن.

ولقد مضى زمن الحرب الذي انقلبت فيه الأوضاع، فعادت سوق الأدب إلى سابق حريتها، ووجد الفضلاء سبيلهم إلى المطابع بالطرق الكريمة التي لا تنافي الذوق أو الشرف، فانكشف أمر أولئك القوم وباءت كتبهم بالخسران، وزحمت رفوف الوراقين وأكبر الظن أن مصيرها سوف يكون إلى باعة (الفول السوداني) يلفون فيها بضاعتهم في (القراطيس).

ولعلك تعجب معي وتسال عن السر في بضاعة القوم كيف يتسنى لهم التأليف في كل شهر، وهل اتسعت مداركهم، وسمت عقولهم، وارتقى تفكيرهم إلى الحد الذي يسمح لهم بتسويد صحائف كتاب جديد كلما طلع الهلال الجديد.

إنهم يفعلون أحد أمرين: الأول السطو على بعض الكتب الأجنبية، ثم نقل فكرتها نقلا

<<  <  ج:
ص:  >  >>