للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[مسابقة الأدب العربي لطلبة السنة التوجيهية]

حديث عيسى بن هشام

للدكتور زكي مبارك

الأسلوب - الفكاهات - الرحلة الثانية - الرحلة الفكرية - أسلوب وأسلوب - كلمة ختامية

الأسلوب

أشرنا من قبل إلى أن أسلوب المويلحي يغلب عليه السجع فلنقرر أنه لا يعفى نفسه من أثقال هذه الحلية إلا حين يخوض قي أحاديث يطلب فيها الإقناع لا الإمتاع. ومعنى هذا أن مقامات الكلام ترجع في جملتها إلى مقامين: مقام تخاطب فيه العقول، ومقام تناجى فيه القلوب. فالترسل الحر هو أسلوب الإقناع، والنثر الفني هو أسلوب الإمتاع، وبين هذين المقامين صلات دقيقة يعرفها جهابذة القلم البليغ

فهل التزم المويلحي هذه الخطة في جميع الأحوال؟

الظاهر انه لم يراعها كل المراعاة، فقد سجع في مواطن لا يجوز فيها السجع، وحار قلمه بين موجبات العقل، وموحيات الذوق، فلم يسلم في بعض الظروف من الإسفاف

نص شوقي على سجع المويلحي حين رثاه فقال:

رُبَّ سجعٍ كمرقص الروض لمَّا ... يختلف لحنُهُ ولا إيقاعُهْ

أو كسجع الحمام لو فصلتْهُ ... وتأنتْ به ودقَّ اختراعُهْ

هو فيه بديع كل زمانٍ ... ما بديعُ الزمان ما أسجاعه؟

ومن الواضح أن شوقي يرثي، والرثاء يبيح التهويل، ولهذا جاز أن يكون سجع المويلحي أبرع من سجع بديع الزمان، مع أن الفرق بين فن المويلحي وفن البديع، كالفرق بين (عيسى بن هشام) الجديد، و (عيسى بن هشام) القديم؛ وسيظل بديع الزمان هو البديع، لأنه المبتكر الأول لهذا الفن الجميل، الفن الذي ينقد المجتمع عن طريق الأسمار والأحاديث، باللمحة البارعة والأسلوب الرشيق

المويلحي يتعثر في الأسجاع، ولكنه قد يبلغ الغاية في بعض الفقرات، كأن يقول على لسان المحامي وهو يخاطب موكلا رجاه أن يرجئ الأجر إلى أخر الشهر:

<<  <  ج:
ص:  >  >>