للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

(أتظن أن هذه الوعود، تقوم لدينا مقام النقود، في بلد كثر فيه الإنفاق وزادت الضرورات، وقل فيه الربح كما قلت المروءات، وصار الدرهم أعز عند الأب من بنيه، وعند الابن من أبيه؟ وقد تعبت في القضية تعبين: باللسان وبالجنان، ولا أستريح منهما إلا بنقد الأصفر الرنان. فلا تجعل الخلاص من قضية بقضية، والفكاك من بلية ببلية، فذلك ما لا يأتيه العقلاء، ولا يرتضيه الأمراء)

وكأن يقول: إنه رأى في ساحة المحكمة: (وجوهاَ مكفهرة، وألواناَ مصفرة، وأنفاساَ مقطوعة، وأكفاً مرفوعة، وباطلا يذكر، وحقاَ ينكر، وشاكياَ يتوعد، وجانياَ يتودد، وشاهداَ يتردد، وجندياَِ يتهدد، وحاجياَ يستبد، ومحامياَ يستعد، وأما تنوح، وطفلاَ يصيح، وفتاة تتلهف، وشيخاَ يتأفف)

وجملة القول أن الأسجاع الجيدة عند المويلحي كثيرة، أليس هو الذي يسجع فيقول في التبرم بالناس:

(إن سالمتهم حاربوك، وإن وادعتهم ناصبوك، وأن صادقتهم خانوك، وإن واثقتهم كادوك، وإذا خالطتهم لا تأمن الاعتداء، وإذا مازحتهم لا تعدم الافتراء، وإن طالبتهم بحق، فانك لا تسمع الصم الدعاء)

الفكاهات

المويلحي كثير التندر والدعاية، وهو ألطف ما يكون حين يسوق الفكاهة بطريق النقد الملفوف. . . أراد أن يعيب عدم استقرار محكمة الاستئناف في مكان فقال وهو ذاهب إليها مع الباشا: (ولعلنا نجدها بإذن الله في مكانها، فقد تعودت التنقل من مكان إلى مكان، ثم اقتربنا فوجدناها)

والكلمة الأخيرة من دقيق التنكيت. . . وقد عاش المويلحي إلى أن رأى محكمة الاستئناف قد استقرت في مكان!

وأراد أن يفصح عن جرأة (المحامي الشرعي) في ذلك الزمان فأدار الحديث على مثل هذه الصورة:

- علمنا أنك رجلٌ عدلٌ عفّ، فجئناك لقضية في وقت

- أتطلبون ريعه؟ أم تريدون بيعه؟

<<  <  ج:
ص:  >  >>