للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[لنكن قوة تفعل لا مادة تنفعل]

للدكتور محمد يوسف موسى

بقية ما نشر في العدد الماضي

وإذا كانت هذه بعض الآثار السيئة للتأثر بالغير إلى درجة التقليد الذليل، وإذا كان التقليد لا بد منه، مع ذلك، في كثير من الأحيان والأحوال، فإن على الأم أو المعلم أو ما كان من ذلك بسبيل واجباً من جهتين:

ا - أن يعني بأن يكون كاملاً في خلقه حتى يكون قدوة طيبة لمن يتأثر به. ومن هنا نرى تشدد الزعماء والمصلحين في أن يجعلوا أنفسهم بمنجاة من المآخذ أو المغامر، وإلا كان عليهم وزر ما يعملون ووزر من يتخذون منهم مثلاً علياً.

ب - أن ينشئ في أنفس من هم بسبيل أتباعه في بعض ما يعمل روح الاستقلال. إنه ليس من الخير في شئ أن يحاول المعلم تنشئة تلميذة على غراره، أو الأب ابنه على شاكلته، بل ذلك شر كله. يستطيع المربي أن يذكر لمن وكل إليه أمره رأيه في هذه المسألة أو تلك، ومذهبه في أمور السياسة أو الاجتماع، وطريقته في الحياة بصفة عامة. ولكن على أن يعنى بتفهيمه بأن ذلك رأي أو مذهب له قد يكون صواباً كما قد يكون خطأ؛ وإذا من الضروري وزنه بتفكيره الخاص، ثم له بعد هذا أن يقبل منه ما يقبل وأن يرفض منه ما يرفض.

بهذين الأمرين يستطيع الأب، والمعلم والمربي بصفة عامة، أن يصل إلى تربية إنسان يقبل ما يقبل من الرأي عن بينة، ويرفض ما يرفض من ذلك عن بينة؛ ولا يأبى أن يقبل بعض ما لدى الآخرين من خير عن اقتناع لا عن تقليد. ولا يكون مادة تنفعل، بل عقلاً يفكر ونفساً لها شخصيتها وإرادتها الخاصة.

ثم، ينتهي المرء من التعليم، ويبدأ التعرف للحياة العملية، يجد نفسه قد صار عضواً في بيئة جديدة، وأصبح عليه أن يجتمع بأناس مختلفين هن وهناك كلما اضطر بسبب عمله للانتقال من بلد إلى آخر. وهو مع هذا كله يستبدل دائماً زملاء بزملاء وأصدقاء بأصدقاء ورئيساً برئيس. هنا، في هذه الفترة وبسبب هذه العوامل، تظهر مسألة الانفصال أو الاستقلال في الفكر تمام الظهور، وتكون عاملاً قوياً في زوال الشخصية أو تكوينها

<<  <  ج:
ص:  >  >>