للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وتقويتها، ومن ثم تكون عاملاً قوياً أيضاً في رجولة الإنسان وسعادته أو ميوعته أو شقائه. والأمر للإنسان، من قبل ومن بعد، في حياته يصوغها كما يشاء، وفي شخصيته يكونها كما يريد.

من الناس من لا يرى أن يعمل عقله ويجهد فكره في المسائل ذوات الطابع الخلافي، أي المسائل التي لا يبين فيها وجه الحق فهي لهذا قابلة للنقاش والأخذ والرد. إن هذا الصنف من الناس يرى حينئذ أن من الأيسر له أن ينحاز لهذا الرأي أو ذاك لأن فلاناً الذي يقول به معروف بسمة العقل وجودة التفكير، أو لأن فلاناً له اسمه الذائع ومركزه المرموق. وهذا نموذج لكثير من الناس، وهو نموذج رديء، كما نرى.

ومن الناس، وهم القليل، من يرى رأيه في هذا الضرب من المسائل، ولا يكتفي برأي غيره إلا إذا رضى به عقله واطمأن له قلبه. وهذا، كما ترى، مثال طيب، لما فيه من أعماق العقل والتفكير، وعدم الاكتفاء بأن يرى الناس له الرأي الذي يرون.

على أن هناك مسائل كثيرة يجب فيها الأتباع. لأنها تقوم على حقائق ثبت منذ طويل صحتها فلا تقبل من يعد جدلاً، وذلك مثل حقائق العلوم المختلفة. ولو راح امرؤ يبرهن بعقله على صحة كل حقيقة من هذه الحقائق، لأتفق عبثاً جهداً كبيراً من وقته ومقداراً ملحوظاً من طاقته العقلية. وليس في هذا شئ من العقل أو الحزم، لأنه لا أحد يفكر في إعادة إنشاء العلوم من جديد

إن الذي نعيبه من الأتباع أو الانفعال برأي الغير، هو ما كان ناشئاً عن كسل عقلي ورغبة في أن يرى المرء بعقل غيره، وما كان في المسائل القابلة للنقاش وأوجه الرأي المختلفة. ومن ذلك مثلاً مشكلة اختلاط الفتى والفتاة في مرحلة التعليم العالي، ومشكلة إعطاء المرأة حق الانتخاب، ومشكلة حل أو حرمة التعامل مع البنوك للحاجة الماسة لذلك مع تعامل البنوك بالربا.

في هذه المسائل، وأمثالها كثير، وهي فيما بينها تتفاضل أهمية وخطراً، يكون القادر على تكوين رأي خاص فيها بتفكيره الخاص، ثم لا يفعل ويكتفي بالتأثر برأي الغير وتقليده، قد آثر الكسل العقلي، ورضي أن يكونإممةتابعاً لهذا اليوم ولذلك غداً، وما ذلك من الرجولة في شيء.

<<  <  ج:
ص:  >  >>