ومن العوامل المؤثرة في الأدب الأديان وما يتصل بها من الأخلاق والمعتقدات، وتأثير الأديان في الأدب أمر ثابت بأدلة الطبع والسمع فأنها تخلق موضوعات جديدة لمصنفات جديدة. وتؤثر في الأخلاق والعواطف تأثيرا يتردد صداه في مناحي الأدب. على أن تأثيرها الذي يعنينا الآن هو إيجادها لأنواع خاصة من النظم والنثر، فان بنى الإنسان منذ أفزعتهم تهاويل الطبيعة وأدهشتهم تعاجيب الفلك أحسوا بقوة القوى فألهوها كما فعل اليونان والهنود، أو نسبوا الأعاجيب الممتعة الخيرة لمبدأ، والتهاويل المفزعة الشريرة إلى مبدأ آخر كما فعل الإيرانيون الأقدمون، ثم امتلأت نفوسهم بجلالها وجمالها وعظمتها ففاضت على ألسنتهم بالأناشيد والصلوات، فكان من ذلك الشعر الديني وهو مبدأ كل شعر في كل أمة، ومن أقدمه أناشيد (رع) عند المصريين، وأناشيد (فيدا) عند الهند البرهميين، وأناشيد (جالا) عند الإيرانيين، وأناشيد (أرفيه) عند اليونانيين، وسفر أيوب عند العرب.
وعندي أن الشعر العربي لم ينشأ في الصحراء على ظهور الإبل وإنما نشأ كذلك في المعابد العربية أبان انفصال العرب عن الأسرة السامية الأولى، فظهر على ألسنة الكهان باسم السجع ومن أقدمه سفر أيوب على أرجح الآراء. وربما عدت إلى بسط هذا الرأي في فرصة أخرى.
وتأثير الأديان في الآداب غير متحد ولا متشابه لاختلاف العقول في إدراك هذه القوة الخفية، فاليونان قد عددوا آلهتهم وجسدوها على صور البشر، ونسبوا إليها ما للإنسان من كرم ولؤم وغضب وحلم وحرب وسلم وعفة ودعارة وزواج ولذة، ولم يميزوهم من الناس الا بالقوة والخلود. لذلك كان شعرهم الديني في الآلهة أشبه بشعرهم الدنيوي في الملوك: يصف الخوارق والعظائم والقوة، ولا ينم عن رحمة الخالق وخشوع المخلوق، ولا يدل على الرجاء الذي يبعث على الطاعة، ولا على الخوف الذي يردع عن المعصية.
أما بنو إسرائيل فقد وحدوا الله وبرءوه من النقص، ونزهوه عن المثل وملئوا صدورهم بهيبته وعزته وجلالته، فكان شعرهم في ذاته العليا فياضاً بالتقديس والإجلال والابتهال