والاتكال وللبكاء والرجاء والخوف. كذلك يختلف تأثير الدين الواحد في الأدب باختلاف الأزمان والبلدان وطبقات الناس ونظام الحكم، فان في كل دين من الأديان السماوية قسما وجدانيا اجتهاديا يختلف أبناؤه في فهمه اختلافهم في الطبائع والمنازع والغاية. فأشعار الخوارج مثلا تنضح بالدماء وتطفح بالحماسة لتعصبهم وتصلبهم وجعلهم غاية الإسلام جهاد مخالفيهم في الرأي، وأشعار الشيعة تفيض بإجلال زوج البتول وصهر الرسول وتمجيد ذكرى بنيه وتمثيل آلامهم، ورثاء من قتل من أعلامهم. وأشعار الصوفيين تصف مقاماتهم وتذكر إشاراتهم وتكثر من الكناية بالخمر والسكر والعشق والعبق عن شدة تعلقهم بالله. ولا يقتصر تأثير الأديان على النظم وإنما يؤثر كذلك في النثر، فلولاها لما كانت النبوءات عند الإسرائيليين، ولا التعازي عند الفرس، ولا خطب المنابر ومقامات الوعظ عند المسلمين والمسيحيين.
ومنها: العلوم النظرية والتجريبية. وتأثيرها العام في ترقية العقل وتقوية الشعور وتنمية الصور لا يحتاج إلى تمثيل ولا تدليل، ولكن لها تأثيراً خاصاً في خلق أنواع طريفة من الآداب كالشعر التعليمي مثلا وهو نوع من الشعر يجمع بين رشاقة اللفظ ولطف التخيل وجودة الوصف ودقة البحث وحقائق العلم. وتراه في الآداب الأجنبية القديمة والحديثة أرفع وأمتع منه في الآداب العربية، فان من الغضاضة على الفن والإساءة إلى الذوق أن ندخل فيه منظومة ابن عبد ربه في التاريخ، وألفية ابن مالك في النحو. وقد استحدث اليونان في النثر المحاورات الفلسفية كمحاورات أفلاطون، وهي نوع طريف من الأدب الإغريقي قلده شيشرون في محاوراته في الأخلاق والفلسفة والبلاغة. كذلك احدث انتشار العلوم نوعا من القصص الخيالية تمتزج فيها حقائق العلم بروعة الخيال وغرابة الحوادث تحقيقا لرأي من الآراء أو تشويقا لعلم من العلوم كما فعل الفرنسيان فلا مريون الفلكي وجول فيرن القصصي. وكما صنع من قبلهما أبو بكر محمد بن عبد الملك بن طفيل الأندلسي في رسالة حي بن يقظان، فقد أراد بوضع هذه القصة أن يشرح كيف يستطيع الإنسان بمجرد عقله أن يتدرج من المحسوسات البسيطة إلى أسمى النظريات العلية، ولكنه يعجز عن إدراك أرقى الحقائق بغير وحي من الله أو هداية من نبي، ثم كان من نفاق العلوم التاريخية في صدر القرن التاسع عشر، وميل الجمهور إلى دراسة الماضي، أن ظهر في إنجلترا