القصص التاريخي، ابتدعه الكاتب الإنجليزي (ولترسكوت) واقتفاه في فرنسا (الفريد دفني) في رواية خمسة مارس. وفي ألمانيا (جورج ايسبرس) في قصته المصرية وردة. وفي مصر جرجي زيدان في رواياته الإسلامية. وللعلوم فضل ظاهر على اللغة في المادة والاسلوب، وأثر قوي في ترقية النثر خاصة لأنها تكسبه القوة والدقة والوضوح. وما ارتقى النثر في أمة من الأمم إلا بعد تقدمها في الحضارة ورقيها في العلم، لأن النثر لغة العقل كما ان الشعر لغة الخيال. فالنثر اليوناني لم يرق الا بعد عصر هوميروس بأربعة قرون حين دون تاريخ توسيديد ومحاورات أفلاطون وخطب ديمستين. والنثر العربي لم يرق الا أوائل الدولة العباسية على يد ابن المقفع، والنثر الفرنسي لم يرق الا بتأثير الفلاسفة والرياضيين في القرنين السادس عشر والسابع عشر كبسكال وديكارت.
ومن تلك العوامل: أحوال السياسة الداخلية، فإن لمدها وجزرها، ولانتقاض حبلها أو أتساق أمرها، أثراً بالغا في فنون الآداب يختلف باختلاف حاله.
ففي خلافة معاوية مثلا انتشر الهجاء المقذع في العراق، وفاضت بحور الغزل الرقيق في الحجاز، وما علة ذلك إلا سياسة هذا الخليفة، فقد كان يخشى العراق على عرشه الواهي الدعائم، فساسه بالتفريق وإحياء العصبية وإذكاء التنافس بين الشعراء والقبائل ليشغل الناس عن الخصومة في خلافته بالخصومة في أمر جرير والفرزدق والأخطل، وكان يستوحش من ناحية الحجاز فاعتقل شباب الهاشميين في مدنه، وسلط عليهم الترف وشغلهم بالمال وخلى بينهم وبين الفراغ فعكفوا على اللهو والصبابة والغزل. وبعد خلافة المتوكل العباسي ازدهر الأدب العربي وازداد ابتكارا وانتشارا وكثرة. وعلة ذلك السياسة أيضا، فان الخلافة العباسية قد انتقض حبلها في أواخر عهد المأمون وانصدع شملها في عهد المتوكل باستقلال الولاة في فارس والشام ومصر والمغرب. فكان ضعف السياسة قوة للأدب لأن الشعراء والأدباء والعلماء بعد أن كانوا مكدسين في بغداد لا يريمون عنها تفرقوا في الممالك الجديدة فوجدوا من أمرائها وأجوائها ما ساعدهم على وفرة الإنتاج ورفع شأن الأدب. وللأحوال السياسية كذلك أثر في خلق فنون جديدة من الأدب أو ترقية ما كان منها، ومثل ذلك النوع الذي يسميه الفرنج بالخطابة السياسية كالخطب الرائعة التي ألقاها ديمستين في مجالس اليونان العامة حين كان فيلبس ملك مقدونيا يتربص بحرية أثينا