للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[قاسم أمين]

للأستاذ عباس محمود العقاد

قرأت في مجلة (روز اليوسف) حديثاً للسيدة الجليلة قرينة قاسم أمين رحمه الله، نشرته المجلة لانقضاء خمس وثلاثين سنة على وفاة ذلك المصلح الكبير، وكان من المصادفات الموفقة أن تؤدي هذا الواجب - واجب الذكرى - مجلة تصدرها سيدة. ففي ذلك بعض الوفاء (المناسب) لموضوع الوفاء

وقاسم أمين رحمه الله حقيق بالتذكار لغير سبب واحد: حقيق بالتذكار لغزارة علمه؛ وحقيق بالتذكار لنزاهة قضائه؛ وحقيق بالتذكار لدماثة خلقه ولطافة ذوقه وامتزاج الثقافة الروحية فيه بالثقافة الفكرية؛ وحقيق بالتذكار قبل كل شيء، وبعد كل شيء، لدعوته إلى إنصاف المرأة وإخراجها من ربقة الظلم الذي كان محيطاً بها وبالرجال

كتبنا عنه قبل ثلاثين سنة في (خلاصة اليومية) فقلنا: (إن المرأة المصرية مدينة لقاسم؛ لأنها كانت سجينة فأطلقها، وكانت أمة فأعتقها. والأمة المصرية مدينة لقاسم؛ لأنها كانت شلاء فأبرأها من ذلك الشلل الذي أمسك شقها عن الحركة دهوراً وأعواماً. والإنسانية مدينة لقاسم؛ لأنه أنقذها من رق لا تجرؤ مصلحة الرقيق على مطاردته. والفخر في تحرير المرأة لا يزال الآن وبعد الآن من نصيب قاسم. أما من قفوه في هذا المقصد فهم إنما درجوا على طريق بينه الآثار وسلكوا في منهج مأبور)

وقد مضت الآن خمس وثلاثون سنة على وفاة قاسم، ومضى نحو خمسين سنة على دعوته الأولى في سبيل تحرير المرأة، وولد في يوم دعوته - بل في يوم وفاته - بنات يعشن الآن ويحسبن من الرجعيات المتخلفات، لأنهن يتحرجن من أشياء لا يتحرج منها بناتهن الناشئات اللائى ولدن متحررات، وغلون في الحرية أبعد الغلواء، ولما يسمعن باسم قاسم أمين ولا بالدعوة التي دعاها. لأنهن أخذن الحرية من عدوى المجتمع ولم يأخذنها من معرفة الحقوق ولا من العناية بنهضة المرأة

وإنصاف قاسم يستدعينا إلى تقرير هذه الحقيقة. فإن عدوى المجتمع شيء ودعوة قاسم إلى تحرير المرأة شيء آخر، وإنما اللوم كل اللوم فيما نعيبه الآن من الشطط والبهرج الكاذب إنما هو من عدوى المجتمع لا من الدعوة القاسمية التي لا يزال لها فضلها ولا يزال لها

<<  <  ج:
ص:  >  >>