للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الحديث ذو شجون]

للدكتور زكي مبارك

سبحان المنعم الوهاب - كن مع الله تر الله معك - سخافات الأغاني الشعبية

سبحان المنعم الوهاب

قلت لصديقي الأستاذ عبد الحفيظ خليفة: إن فاكهة المنجة توحي إلى آكلها بأن يقول الحمد الله، لأن حلاوتها حلاوة عبقرية، فهي دون العسل في الحلاوة، ولكن لها مذاقاً يفوق الشهد بمراحل طوال، ولذلك توحي إلى معاني من الشكران لا يوحيها أطيب طعام ولا أعذب شراب

فقال صديقي: عرضت فاكهة المنجة على أحد الناس فرفض أكلها بحجة أنه لا يستطيع شكر الله على طعمها اللذيذ. وكان أحد الصوفية حاضراً فصرخ: وهل تستطيع شكر الله على هذا الكوب من الماء؟

وعند هذه الكلمة سألت نفسي: كيف جاز أن يرخص الماء فلا تكون له تسعيرة في أعوام الحرب؟

ثم أجبت: كان ذلك لأن الماء هو أساس الحياة، فلا يعيش بدونه مخلوق، ومن أجل هذا منحه الله بسخاء، وهو الزاد الوحيد الذي يستوي الناس في الاحتياج إليه، كما يستوون في الاحتياج إلى النور والهواء

وأنا من قبل هذا الخاطر بأعوام فكرت في صعوبة انتفاع الأراضي الفرنسية بمياه الأنهار، لأنها كثيرة التفاوت في الارتفاع والانخفاض، ولا يمكن أن تعتمد على مياه الأنهار في صيف أو شتاء. وكان الجواب أن الله أمد تلك الأراضي بالأمطار الثجاجة بالنهار وبالليل، فهي في غنى عن الأنهار، ولو كانت في حلاوة نهر السين

وأنا أيضاً فكرت من قبل في استواء الأراضي المصرية، وهو استواء حرمها جمال التفاوت في الحزون والسهول، وكان الجواب أن الله جعلها كذلك ليقدر النيل على ريها بلا عناء

أمر الله في خلائقه أعجب من العجب، فله تدابير تعجز عن وعيها كبار العقول، وهو قد يجعل السعادة في الكوخ الحقير أضعاف ما يجعلها في القصر الكبير، ليقول بالتلميح لا

<<  <  ج:
ص:  >  >>