وتتخذ الصهيونية من الصلات الثقافية التي كانت تربط اليهود على زعمها بفلسطين دليلا على وجوب إحياء تلك الثقافة. ونحن لا ننكر على الصهيونية قولها هذا ولكن الثقافة اليهودية لم تظهر بفلسطين وحدها ولم تقتصر على هذه البقعة فقط. والواقع أن أكثر فصول التوراة كانت قد كتبت في الأرض المقدسة.
غير أن قسماً من هذه الأسفار التي يتألف منها الكتاب المقدس كان قد كتب ووضع في العراق في إقليم بابل أثناء السبِّي مثل سفر حن قيال وربما (مراثي أرمياء) و (التثنية ويشوع كذلك وبعض أجزاء من المزامير).
ويقوم (التلمود) عند اليهود مقام (الحديث) عند المسلمين وبموجب هذا الكتاب يحكمون. (والتلمود البابلي) هو المعول عليه عند اليهود حتى اليوم. على حين أنهم لا يعملون (بالتلمود اليورشلجي) أي التلمود الذي وضع في فلسطين.
وضعه أحبار العبرانيين وعلماؤهم في منقطة (طبريا) على الأخص.
وقد وضع التلمود البابلي في العراق في وادي الفرات وقد اشترك في وضعه وإتمامه جماعة من أحبار بابل استمروا على ذلك حتى أوائل القرن السادس للميلاد. وعلى التلمود البابلي الطابع العراقي الخاص الذي يتجلى في نزعته العقلية الحرة وفي استعمال الرأي والقياس والاستنباط على عكس التلمود الفلسطيني الذي يمثل عقلية الفلسطينيين القدماء في محافظتهم وميلهم إلى الأخذ بالحديث والأخبار. وهذا مما يدل على أن الثقافة العبرانية القديمة التي تريد الصهيونية إحياءها لم تكن ثقافة (عبرانية) خالصة نقية من كل شائبة بل كانت متأثرة بالمحيط. فهي عراقية تمثل عقلية العراقيين في العراق وهي فلسطينية تمثل عقلية سكان فلسطين في فلسطين وهي مصرية تمثل طبع قدماء المصريين في مصر.
ثم إن الكتب الخمسة الأولى من التوراة وهي التي يقال لها (أسفار موسى) وهي التكوين والخروج واللاويين والعدد والتثنية) كانت قد نزلت على موسى وموسى لم يكن قد دخل فلسطين فتكون هذه الكتب قد نزلت خارج الأرض المقدسة.
وقد جاءت في الكتاب المقدس بعض الاصطلاحات والكلمات الآرامية التي تدل على تأثر