للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

العبرانيين بهذه اللغة التي أصبحت اللغة اليومية لليهود منذ أيام السبي، والتي حلت محل (العبرانية) التي هجرها سواد الشعب وفضل الآرامية عليها، فاقتصر أمرها على رجال الدين وطبقة الكهنوت فقط وقد ترك الشعب اليهودي العبرانية مختاراً مفضلا (السريانية) لغة الثقافة التي شاعت في كل أنحاء الهلال الخصيب حتى أن أسفار العهد الجديد القديمة كانت قد دونت بهذه اللغة.

وقد استعمل علماء اليهود ومثقفوهم هذه اللغة في كتاباتهم كما استعملوا بعد ذلك اللغة اليونانية التي دخلت إلى فلسطين وسوريا مع اليونانيين فألف بهذه اللغة المؤرخ اليهودي (يوسفوس) (جوزيفوس) المعصب لقوميته وهو من مواليد القدس في القرن الأول للمسيح والذي خلد تاريخ قومه في كتبه المهمة التي ألفها في تاريخ (الآثار اليهودية) و (الحروب اليهودية) والذي يعود إليه الفضل في أكثر ما نعرفه عن تاريخ اليهود مما لم يرد في التوراة إلى القرن الأول للمسيح. لم يجد هذا المؤرخ اليهودي المتعصب لقوميته غضاضة من استعمال اللغة اليونانية في تدوين تاريخ قومه، مما يدل على أن العبرانيين لم يكونوا يستعملون تلك اللغة إلا بصورة محدودة ضيقة، وعلى أنهم لم يكونوا يعنون بها العناية اللازمة، وأنهم لم يكونوا يعتبرونها لغة ثقافة أو لغة أدب وكتابة وإنما هي لغة دين، على عكس ما يدعيه الصهيونيون في دعواهم الحديثة.

وقد استخدم اليهود بعد انتشارهم في الأقطار الخارجية اللغات المحلية، حتى في الشروح الدينية والتفاسير فكتبوا باليونانية واللاتينية والعربي في القرون الوسطى ولا سيما في الأندلس حيث كانوا يكتبون كتبهم باللغة العربية ولكن بأحرف عبرية كالذي فعله الفيلسوف اليهودي موسى بن ميمون، مما يدل على أن العبرانيين كانوا يفكرون في كل مكان نزلوا به بعقلية ذلك المكان ولو جمعنا ما أنتجه العقل اليهودي منذ أيام السبَّي لوجدنا أن اليهود كانوا قد ساهموا في الثقافة العالمية جمعاء فكونوا ثقافات مختلفة وكانت لهم ثقافة دينية هي الثقافة التي كونها الأنبياء وشرَّاح التوراة والتلمود ومعنى هذا أن الثقافة اليهودية كانت ثقافة عالمية ولم تكن ثقافة إقليمية اقتصرت على فلسطين، وأن من الممكن لليهود تكوين ثقافة يهودية في الأقطار التي يسكنون فيها على نحو ما هو جار في الوقت الحاضر.

وقد ذكر المؤرخ اليهودي (سيمون دبنوف) وهو أعظم المؤرخين المحدثين على الإطلاق

<<  <  ج:
ص:  >  >>