أن اليهود كانوا قد تأثروا إلى حد كبير بثقافة البابليين وأن في الكتاب المقدس فصولا كثيرة أخذت من الثقافة البابلية كما يظهر ذلك من المقارنة بين الكتابات المسمارية وما ورد في التوراة.
ظل اليهود يغادرون فلسطين للسكنى في الخارج في أيام الفرس وفي أيام اليونانيين والرومان وعلى الرغم من الحركات اللاسامية التي كانت تظهر في الإمبراطورية البيزنطية الرومانية فإن اليهود فضلوا البقاء في الخارج. ولم يظهروا أي رغبة في العودة إلى هذه الأرض. ولم يبقى في فلسطين في العصور المسيحية غير بعض الجاليات التي سكنت في منطقة الجليل و (طبرية) على الأخص. ومما يلاحظ أنهم ساعدوا الجيش الفارسي الذي جاء سنة ٦١٤ للميلاد لفتح سوريا وفلسطين ولطرد اليونانيين. فساعدوهم في فتح القدس وفي مقاتلة إخوانهم المسيحيين الذين كانوا من اليهود قبل نشر الدعوة المسيحية.
ولم يترك كتاب اليهود من بعد (يوسفوس) أي أثر يشير إلى وجود جاليات يهودية كبيرة في فلسطين، ولما فتح الفرس فلسطين وعذبوا المسيحيين وأخذوا معهم الصليب المقدس وساعدوا الجاليات اليهودية الصغيرة التي كانت هناك لم نسمع من أخبار اليهود في الأراضي المقدسة ما يدل على أنهم كانوا أصحاب كلمة مسموعة وأن عددهم كان محسوساً بينما كان عددهم كبيراً في روما وفي فرنسا وفي المدن اليونانية والمصرية وكانت حالتهم المالية حسنة جداً كذلك.
ولما استعاد القيصر هرقل (فلسطين) من أيدي الفرس لم تبق في أيدي الروم أمداً طويلا إذ ضجر سكانها من حكم اليونان وفاوض العرب النصارى المسلمين لتخليصهم من أيدي المستعمرين وقد كانت غالبية السكان في هذا العهد من القبائل العربية المتنصرة مثل جذام وكلب وقضاعة ولخم وغسان وكانت مخيمة ومستقرة في كل أنحاء سورية كذلك.
وقد فصلت كتب (المغازي والفتوحات) كيفية دخول الجيوش الإسلامية أرض فلسطين وكيف سلم (بطريرك) القدس مفتاح المدينة إلى الخليفة عمر صلحاً. ولم تشر إلى اليهود مما يدل على أن الأراضي المقدسة كانت خلواً منهم، وهناك إشارة مهمة وردت في كتاب (ثيوفانس) وهو من خيرة الكتاب اليونانيين المطلعين على شؤون فلسطين في هذا العهد