ما كادت الوجودية تنتشر في فرنسا في اعقاب الحرب العالمية الثانية حتى انهالت عليها الانتقادات والاتهامات من كل حدب وصوب. وقد صار النقاد على مختلف نزعاتهم، من شيوعيين الى مسيحيين، يكيلون لها التهم جزافا. فاتهموا جان بول سارتر ـ مؤسس هذه الفلسفة في فرنسا ـ بانه استوحى فيلسوفا المانيا نازيا هو مارتن هيدجر، ومن ثم فلابد ان تكون فلسفته ذات نزعة فاشية. ونسبوا اليه نشره باسم الوجودية نزعة ركونية للقلق تجعل الانحلال والفساد يدب الى الشبيبة وتصرفها عن العمل. لان سارتر كما يقولون يثير الشباب لاستغلال نوع خاص من اليأس واتهموا سارتر بانه يدافع عن مذاهب عدمية (والبرهان على ذلك غي نظر احد النقاد هو ان عنوان كتاب سارتر الفلسفي هو (الوجود والعدم)!) في مثل هذه السنوات التي يجب فيها اعادة بناء كل شيء من جديد، والعمل لتكريس الجهود لربح الحرب وربح السلام. ثم اتهموه اخيرا بان الوجودي لا يطيب له الا الانهماك في الاقذاع واظهار شرور الناس وضعتهم اكثر من ابرازه الجانب المضيء من مشاعرهم وعواطفهم الجميلة.
وقد حاول سارتر الرد على بعض هذه الاتهامات التي تبدو مستوحاة بباعث من سوء النية والجهل. خاصة وان اصحابها كما يبدو جليا لم يقراوا أي كتاب من الكتب التي يتحدثون عنها، والظاهر انهم قد اختاروا الوجودية هافا يسددون اليه سهام نقدهم لانهم اولا بحاجة الى شخص او مبدأ يتحمل خطايا الاخرين، ولانهم ثانيا وجدوا ان الوجودية مذهب مجرد لاتعرفه ال فئة ضئيلة من الناس؛ ولن يحاول احد التحقق مما يقولون. ومن بين الردود التي فند فيهاسارتر مزاعم هؤلاء النقاد مقال نشره في جريدة الا كسيون الفرنسية بتاريخ ٢٩ ديسمبر عام ١٩٤٤ نحاول تلخيصه لقراء الرسالة في هذا المقال، ومحاضرة عنوانها (الوجودية نزعة انسانية) القاها سارتر في نادي (منتنان) وقد لخصناها لقراء مجلة الاديب البيروتية في العام المنصرم.
يقول سارتر عن النقد الخارجي الذي وجه اليه: ان هيدجر كان فيلسوفا قبل ان يكون نازيا