للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[في طرسوس]

على قبر الخليفة العظيم

للدكتور عبد الوهاب عزام

هذه مدينة أذنة (أطنة) قدمتها البارحة وسيمر بها اليوم قطار طوروس السريع ذاهباً إلى الشام، وهو يمر بها ثلاث مرات في الأسبوع. فإن فاتني قطار اليوم فلا مفر من الانتظار في آذنة إلى السبت. إن هواء آذنة حار، وليس فيها ما يشغل الزائر ثلاثة أيام ففيم التلبث؟ إن لي في طرسوس أرباً ولابد لي أن أزور طرسوس. إنها قريبة بينك وبينها مسيرة ساعة للقطار. ولو كانت بعيدة لما ترخصت في القعود عنها. إن لم يتيسر لي العودة منها قبل موعد القطار فليذهب قطار الأربعاء وليذهب قطار السبت فما عن زيارة طرسوس معدي. إن في القلب لحنيناً إليها ومنيتي وقفة فيها:

وقفة بالعقيق نطرح ثقلاً ... من دموع بوقفة بالعقيق

أأجاوز آذنة صوب الجنوب دون أن أرى طرسوس؟ أعظم به من عقوق، وحرمان للنفس مما تمنيت سنين طوالاً

ما شأن طرسوس؟ ما الذي يشوقني فيها؟ إنها مدينة صغيرة كئيبة المنظر فما حببني إليها؟ لله أي كنز في طرسوس دفين! وأي تاريخ كبير في تراب هذه المدينة الصغيرة!

حاولت أن أبكر إليها فأعود فأدرك قطار طوروس، ولكن فاتني قطار ست ونصف من الصباح وكان عليَّ أن أختار إحدى النيتين: إما قطار طوروس وإما طرسوس

أخذت القطار إلى طرسوس والساعة ثمان ونصف

هذه طرسوس أحد الثغور القديمة بين المسلمين والروم. طرسوس التي فتحها الرشيد ومات فيها ابنه المأمون غازياً كما مات الرشيد في طوس ومات ابنه في طرسوس. لله همة أبعدت بهذين السهمين من بغداد إلى طوس وطرسوس. من كان يفطن أن الرشيد والمأمون كانا مترفين من أبناء النعمة وأخدان القصور فليعلم أن الرشيد كان همة لا تفتر بين الحج والغزو:

فمن يطلب لقاءك أو يرده ... ففي الحرمين أو أقصى الثغور

وأن المأمون لم يقعد عن قيادة الجيش إلى ثغور الروم، وأنه لقي حتفه غازياً في هذه

<<  <  ج:
ص:  >  >>