أرى واجباً على قبل الحديث عن التشبيه في القرآن الكريم أن أتحدث قليلا عن بعض نظرات للأقدمين في هذا الباب، لا أوافقهم عليها، ولا أرى لها قيمة في التقدير الفني السليم.
فما أعتمد عليه القدماء في عقد الشبيه العقل، يجعلونه رابطاً بين أمرين أو مفرقاً بينهم، وأغفلوا في كثير من الأحيان وقع الشيء على النفس، وشعورها به سروراً أو ألماً. وليس التشبيه في واقع الأمر سوى إدراك ما بين أمرين من صلة في وقعها على النفس، أما تبطن الأمور، وإدراك الصلة التي تربطها بالعقل وحده، فليس ذلك من التشبيه الفني البليغ، وعلى الأساس الذي أقاموه أستجادوا قول ابن الرومي:
بذل الوعد للإخلاء سمحاً ... وأبى بعد ذاك بذل العطاء
فغدا كالخلاف يورق للعين، يأبى الإثمار كل الإياء
وجعلوا الجامع بين الأمرين جمال المنظر وتفاهة المخير، وهو جامع عقلي، كما ترى، لا يقوم عليه تشبيه فني صحيح، ذلك أن من يقف أمام شجرة الخلاف أو غيرها من الأشجار، لا ينطبع في نفسه عند رؤيتها سوى جمالها ونضرة ورقها وحسن أزهارها، ولا يخطر بباله أن يكون لتلك الشجرة الوارفة الظلال أن يكون لها ثمر يجنيه أو لا يكون، ولا يقلل من قيمتها لدى رائيها، ولا يحط من جمالها وجلالها، إلا يكون لها بعد ذلك ثمر شهي، فإذا كانت تفاهة المخير تقلل من شان الرجل ذي المنظر الأنيق وتعكس صورة منتقصة في نفس رائيه، فإن الشجرة لا يقلل من جمالها لدى النفس عدم إثمارها، وبهذا اختلف الواقع لدى النفس بين المشبه والمشبه به، ولذلك لا يعد من التشبيه الفني المقبول.
وقبل الأقدمون من التشبيه ما عقدت الحواس الصلة بينهما، وان لم يكن تعقدها النفس، فاستجادوا مثل قول الشاعر يصف بنفسجا:
ولا زوردية تزهو بزرقتها ... بين الرياض على حمر اليواقيت
كأنها فوق قامات ضعفن بها ... أوائل النار في أطراف كبريت
فليس ثمة ما يجمع بين البنفسج وعود الكبريت وقد بدأت النار تشتعل فيه، سوى لون