للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الزرقة التي لا تكاد تبدأ حتى تختفي في حمرة اللهب، وفضلاً عن التفاوت بين اللونين، فهو في البنفسج شديد الزرقة وفي أوائل النار ضييها، فضلاً عن هذا التفاوت تجد الواقع النفسي شديد التباين، فزهرة البنفسج توحي إلى النفس بالهدوء والاستسلام وفقدان المقاومة، وربما اتخذت لذلك رمزاً للحب، بينما أوائل النار في أطراف الكبريت تحمل إلى النفس معنى القوة واليقظة والمهاجمة، ولا تكاد النفس تجد بينهما رابطاُ كما أستجادوا كذلك قول ابن المعتز:

كانا وضوء الصبح يستعجل الدجى ... نظير غرابا ذا قوادم جون

قال صاحب الإيضاح: (شبه ظلام الليل حين يظهر فيه ضوء الصبح بأشخاص العربان، ثم شرط قوادم ريشها بيضاء لأن تلك الفرق من الظلمة تقع في حواشيها، من حيث يلي معظم الصبح وعمود لمع نور، يتخيل منها في العين كشكل قوادم بيض) وهكذا لم ير ابن المعتز من الدجى وضوء الصباح سوى لونيهما، أما هذا الجلال الذي يشعر به في الدجى، وتلك الحياة التي يوحي بها ضوء الصبح، والتي عبر القرآن عنها بقوله: (والصبح إذا تنفس) - فما لم يحس به شاعرنا ولم يقدره نقادنا، وأين من جلال هذا الكون الكبير، ذرة تطير؟!

وقبلوا من التشبيه ما كان فيه المشبه به خياليا، توجد أجزاؤه في الخارج دون صورته المركبة، ولا أتردد في وضع هذا التشبيه بعيداً عن دائرة الفن، لأنه لا يحقق الهدف الفني، فكيف تلمح النفس صلة بين صورة بين صورة ترى، وصورة يجمع العقل أجزائها من هنا وهنا، وكيف يتخذ المتخيل مثالاً لمحسوس مرئي، وقبل الأقدمون لذلك قول الشاعر:

وكأن محمر الشقيق إذا تصوب أو تصعد

أعلام ياقوت نشرن=من على وماح من زبرجد

ألا ترى أن هذه الأعلام من الياقوت، المنشورة على رماح الزبرجد، لم تزدك عمق شعور بمحمرالشقيق، بل لم ترسم لك صورته إذا كنت جاهلة، فما قيمة التشبيه إذا وما هدفه؟! وسوف أتحدث عن الآية الكريمة التي فيها هذا اللون من التشبيه لندرك سره وقيمته.

هذا، ولن نقدر التشبيه بنفاسة عناصره، بل بقدرته على التصوير والتأثير، فليس تشبيه لبن المعتز للهلال حيث يقول:

أنظر إليه كزورق من فضة ... قد أنقلته حمولة من عنبر

<<  <  ج:
ص:  >  >>