(إنما العلم بالتعلم، والحلم بالتحلم، ومن يتخير الخير يعطه،
ومن يتوق الشر يوقه) حديث شريف
دواع إلى التحلم:
تدعوا إلى التحلم عوارض كثيرة، وأمور متعددة، لأن التكلف كيفما كان خروج على الطبيعة، وتحويل للغريزة؛ وشيء من ذلك لا يكون أبداً وحده، ولا يتم مجرداً عن العلل خارجاً على البواعث والأسباب.
فما يدعو النفس إلى التحلم ويطوعه لها أن تستشعر القدرة على الانتصار فيفثأ ذلك من حر غضبها، ويبدلها بقلقها هدوءاً، ويجزعها تثبتاً واطمئنانا وحينئذ تنتفي بواعث الانتقام، فيكون التحلم الذي يتطاول مع الزمن حتى يصير حلماً، وأكثر ما يكون عفو الملوك لمثل هذا الباعث، وقد مرت بنا أمثلة منه مختلفات. ويكاد يضع يدنا على هذه الحقيقة وضعاً قول المنصور لجعفر الصادق بعد عفوه عن أهل المدينة: إنك لتعلم أن قدرتي عليهم تمنعني من الإساءة إليهم.
ومن كلام بعض الحكماء: ليس الحليم من ظلم فحلم، حتى إذا قدر انتقم؛ ولكن الحليم من ظُلم فحلم؛ حتى إذا قدر عفا.
ويقول عبد الله بن مسعود: انظروا إلى حلم الرجل عند غضبه، وأمانته عند طمعه. وما علمك بحلمه إذا لم يغضب؟ وما علمك بأمانته إذا لم يطمع؟
وقد نصح معاوية لابنه يزيد فقال: عليك بالحلم والاحتمال حتى تمكنك الفرصة؛ فإن أمكنتك فعليك بالصفح، فإنه يدفع عنك معضلات الأمور، ويوقيك مصارع المحذور. . . ولعل هذا الخلق الكريم - العفو عند المقدرة - يعد أشرف مواقف الرؤساء، وأدلها على أصالة النبل في نفوسهم، واستحواذ الكرم والفضيلة على طباعهم.
ومن البواعث على التحلم أيضاً ما يكون من الاستهانة بالمسيء أو استضعاف شأنه، حتى