جاءني مبهور الأنفاس، مسجور الحماس، كأنه خرج لتوه من معركة حامية الوطيس، ثم قال لي:
لقد حذفتها بالقلم الأحمر، وطمست حروفها فلن تظهر!
فقلت له: ماذا حذفت، ومن هي التي طمست على قلبها؟؟
قال: كلمة (زهور)! فلقد كتبها التلميذ في موضوع الإنشاء، ولكنني فتشت عنها كثيراً، ونقبت عنها طويلا، فلم أعثر لها على أثر!!
فقلت له: هون عليك ياصديقي؛ فالأمر أهون كثيراً مما تظن! ولست أغير على اللغة العربية من فقيد اللغة العربية؛ الأستاذ المرحوم مصطفى صادق الرافعي! ولست أكثر حفاظا عليها من أستاذنا الكتاب البليغ، أحمد حسن الزيات صاحب الرسالة، وعضو المجمع اللغوي الملكي؟
قال: ماله الرافعي؟ قلت: لقد قال رحمه الله: عرض لي يوما أحد اللغويين فأنتقد في المقطم قصيدة من القصائد التي رفعتها إلى جلالة الملك فؤاد، وتمحل في نقده، ودلل ببعض ما نقله من كتب اللغة، فكان فيما تكلم فيه (لفظا الأزاهر والورود) فقال: إنهما ليسا من اللغة، ولم يجريا في كتبها. وكان من ردي عليه أن قلت له: إن العرب جمعوا الجمل ستة جموع، وجمعوا الناقة سبعة؛ لأنها أكرم عليهم منه. وإن لكل حياة صورها الدائرة في ألفاظها؛ فالزهر والورد عند المولدين والمحدثين، أكرم من الجمل والناقة عند العرب، أو هذان كهذين. ثم هما من خاص الألفاظ المولدة؛ فلنا نجمعها على كل صور الجمع التي يسوغها القياس؛ لأن هاهنا العلة الموجبة التي لم تكن مع العرب فيها فمن الصحيح أن نقول: زهور وأزهار وأزاهر وأزاهير إلخ. . . فلما لقيت الدكتور يعقوب صروف، بعد نشر هذا الرد هنأني به، ثم قال فيما قال: يحسبون أن العرب هم الجمل والناقة، وليس غيرها ما أستجمل وما استنوق. . .!، أما هذا الدهر الطويل العريض، فليس عندهم شيئاً! وهم يستطيعون أن ينكروا على المولدين ألف كلمة ولكن هل في استطاعتهم أن ينكروا على التاريخ ألف سنة؟ فذكرت له الأصل الذي قرره أبو على الفارسي، في العربي الصحيح