للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

نفسه: من أنه ليس كل ما يجوز في القياس يجب أن يخرج به سماع؛ فإذا أخذ إنسان على طريقة العرب، وأم مذهبهم؛ فلا يسأل: ما دليله، وما سماعه، وما روايته؟ ولا يجب عليه من ذلك شئ.

حتى قال أبو على: لو شاء شاعر أو متسع أن يبنى بإلحاق اللام (زيادة حرف من جنس لام الكلمة وإلحاقه بها) اسما وفعلا وصفة؛ لجازله ولكان ذلك من كلام العرب؛ وذلك نحو قولك: خرجج أكثر من دخلل، وضربب زيد عمراً، ومررت برجل ضربب وكرمم ونحو ذلك! قال تلميذه ابن جني: فقلت له: أترتجل اللغة ارتجالا؟ قال:

ليس بارتجال، لكنه مقيس على كلامهم، فهو إذن من كلامهم!

ومن أثر هذه الطريقة التي لاتتحجر، ولاتمنع القياس في اللغة، وتلحق ما وضعه المتأخرون بما سمع من العرب، ما جاء في ص ٢٣٥ من شرحأدب الكاتب لابن قتيبة وهو باب لم يستوفه غيره، ولا تجده إلا في كتابه! وهذه عبارته: قولهم: يدي من ذلك فعلة: المسموع منهم في ذلك ألفاظ قليلة، وقد قاس قوم من أهل اللغة على ذلك فقالوا: يدي من الإهالة سنخة، ومن البيض زهمة، ومن التراب تربة، ومن التين والعنب والفواكه كتنة وكمدة ولزجة، ومن العشب كتنة أيضا، ومن الجبن نسمة، ومن الجص شهرة، ومن الحديد والشبه والصفر والرصاص سهكة وصدئة أيضا، ومن الحمأة ردغة ورزغة، ومن الخضاب ردعة، ومن الحنطة والعجين والخبز نسغة، ومن الخل والنبيذ خمطة، ومن الدبس والعسل دبقة ولزقة أيضا، ومن الدم شحطة وشرقة، ومن الدهن زنخة، ومن الرياحين ذكية، ومن الزهر زهرة، ومن الزيت قنمة، ومن السمك سهكة وضمرة، ومن السمن دسمة ونسمة ونمسة، ومن الشهد والطين لثقة، ومن العطر عطرة، ومن الغالية عبقة، ومن الغسلة والقدر وحرة، ومن الفرصاد قنثة، ومن اللبن وضرة، ومن اللحم والمرق غمرة، ومن الماء بللة، وسبرة، ومن المسك ذفرة وعبقة، ومن النتن قنمة، ومن النفط جمدة.

فأنت ترى أن المسموع من هذه الألفاظ، لا يتجاوز سبعة، والباقي كله أجراه علماء اللغة، وأهل الأدب على القياس، فأبدع القياس أربعا وثلاثين كلمة! فدل ذلك على اتساع اللغة تبعا لتعدد الأغراض، وتطورها تمشيا مع تطور الحياة!!

قال صاحبي: وما رأى صاحب الرسالة الأستاذ الزيات؟

<<  <  ج:
ص:  >  >>