للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

قلت: لقد تقدم إلى المجمع اللغوي باقتراح يشتمل على؛ فتح باب الوضع على مصراعيه بوسائله المعروفة من الارتجال والاشتقاق والتجوز؛ وإطلاق القياس في الفصحي ليشمل ما قاسه العرب ومالم يقسوه، فإن توقف القياس على السماع يبطل معناه، وإطلاق السماع من قيود الزمان والمكان؛ ليشمل ما يسمع من جميع طوائف المجتمع!

ورأى صاحب الرسالة أن في إقرار هذا الاقتراح دفعا لمعرة العقم عن اللغة العربية الكريمة التي وصفت في القرن الخامس ناقة طرفة، عضوا عضوا، ونعتت أوضاعها وضعا وضعا، في أربعة وثلاثين بيتا من معلقته! ثم نراها في القرن العشرين، تقف أمام سيارة (فورد) بكماء بلهاء، تشير ولاتسمى، وتجمجم ولا تبين!!

ويقول صاحب الرسالة أيضا: إن اللغة ألفاظ يعبر بها كل قوم عن أغراضهم، والأغراض لا تنتهي، والمعاني لا تنفد، والناس لا يستطيعون أن يعيشوا خرسا وهم يرون الأغراض تتجدد، والمعاني تتولد، والحضارة ترميهم كل يوم بمخترع، والعلوم تطالبهم كل حين بمصطلح، ولا علة لهذا الخرس إلا أن البدو المحصورين في حدود الزمان والمكان، لم يتنبئوا بحدوث هذه الأشياء، ولم يضعوا لها ما يناسبها من الأسماء!! ويرى الأستاذ الزيات - ورأيه سديد - أن للمجمع وحده السلطة التشريعية العليا للغة العربية، يستطيع في حدود قواعدها الموضوعة، وقوالبها الموروثة، أن يزيد عليها وينقص فيها، ولكنه يعطل مختارا هذه القدرة التي لم يؤتها غيره، باستشارة القدماء في كل إصلاح لغوي يقترحه، وفي كل قرار نحوي يقرره! واستشارة الماضين في شئون الباقين، مع تبدل الأحوال، وتغير الأوضاع، وتقدم العلوم، وتفاوت العقول، واختلاف المقاييس، تكون في أكثر الأحيان معطلة أو مضللة!

لقد سمع رسول الله صلى الله عليه وسيلم؛ أن منافقا نال من عروبة سلمان الفارسي؛ فدخل المسجد مغضبا وقال: أيها الناس: إن الرب واحد والأب واحد، وليست العربية بأحدكم من أب ولا أم، وإنما هي اللسان، فمن تكلم بالعربية فهو عربي!

وما إن وصلت إلى هذا القدر من الآراء الحقة ألجريئة، والأفكار المشرقة الوضيئة، من اقتراح الأستاذ الكبير صاحب الرسالة، حتى فغر الزميل فاه، وقال: ولكن حضرات المفتشين يضيقون علينا الخناق، ويحاسبوننا على هذه الكلمات، ويفرضون علينا بعض

<<  <  ج:
ص:  >  >>