يلاحظ الدارس للفن، المحيط بأسراره بعض الإحاطة، أن الفنان المصري عمل مصوراته ومحفوراته البارزة والمنخفضة، مقيدة بقيود ظلت طوال أيام الحضارة المصرية كلها، تلخصت في نظرته للأجسام، لا بحسب مظهرها الطبيعي أمامه؛ بل بحسب وضعها الأصم الذي ظن أنه يجب أن تظهر به في تصويره وعلى لوحاته، وقد ظن بعض الناس أن هذا متعمد بقصد خلق روح فنية معينة، وظن غيرهم أن هذا نوع من التشويه الفني كما أسموه. وهذا فضلا عن كونه محض افتراء، فانه بعيد عن الواقع وعن التقدير العلمي بعداً شاسعاً. فالفنان المصري لم يتعمد شيئاً معيناً وإنما كان مقيداً بقيود طبيعية. دفعته إلى هذا الوضع وإلى هذا المنهج دفعاً لم يكن له فيه أي قصد، بل ولم يكن ليتخلص منه بأي وسيلة. ولذلك كان إذا صور جماعة من الناس أو الحيوان أو المواد أو منها جميعاً تصويراً إنشائياً، تراه يضعها بحيث يكون بعضها خلف بعض أو إلى جانبه، من غير مراعاة الوضع الطبيعي لها، الذي كانت تظهر به أمام عينيه، وكان هذا هو الحال أيضاً عند ما أراد التصرف بعض الشيء - مثلا - في تصوير مائدة عليها أدوات أو مواد. فتراه يصورها قطعة قطعة، كما لو كانت متفرقة غير مجتمعة على مائدة واحدة، ذلك لأنه لم يكن يعرف بعد أصول تصوير المجسمات. وعلاقة الحجم والبعد بالتصوير المنظور وكان هذا سبباً جوهرياً في ظهور مختلف المصورات التي مثلت شئون حياته الزراعية والصناعية والدينية والاجتماعية والسياسية وغيرها. كما لو كانت متجاورة بالرغم من أن بعضها كان يجب أن يخفي البعض الآخر بحسب وضعه وراءها
نعم: شاهدنا في بعض المصورات قوة ملاحظة الفنان بجعله الشيء الموضوع خلف شيء آخر غير ظاهر، ولكن هذا كان نادر الحصول بحيث لا يمكننا الأخذ به كقاعدة عامة لروح الفن المصري في التصوير والحفر