للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[٢ - شاعرنا العالمي]

أبو العتاهية

للأستاذ عبد المتعال الصعيدي

أبو العتاهية وبشار وأبو نواس:

هؤلاء هم الشعراء الثلاثة الذين كانوا أعلام هذه الثورة في الشعر، قضوا فيها على طريقته القديمة التي مضت في عصر بني مروان على جاهليتها العربية، لا تفكر في تجديد، ولا تنظر إلى ما حدث في العرب من أحداث دينية وسياسية واجتماعية، خلقت منهم أمة جديدة، وشعباً يتألف من أجناس مختلفة، وله نظر جديد في الأدب يخالف نظر أولئك العرب الخلص، وذوق أرقى من ذوقهم في الشعر والنثر. وقد بدأت هذه الثورة لينة هادئة في بشار بن برد، شديدة لا تبلغ درجة العنف في الحسن بن هانئ (أبي نواس)، شديدة عنيفة في إسماعيل بن القاسم (أبي العتاهية)

وكان مظهر هذه الثورة في أربع نواح من الشعر:

(١) ألفاظ الشعر التي انتهت ثورتهم فيها إلى نقل الشعر إلى ألفاظ العربية الحضرية، وهجر ألفاظها البدوية الخشنة؛ وإذا قلنا ألفاظ الشعر فإنا نعني بذلك ما يشمل معانيه، لأن التجديد في الألفاظ يستدعي التجديد في المعاني حتما حتى يتلاءم أمرهما، وتتناسب رقة المعاني وجمالها مع رقة الألفاظ وصقلها

(٢) طريقة الشعر ومذهبهم في ترتيب القصائد من مطالعها إلى مقاطعها

(٣) أغراض الشعر ومقاصده

(٤) أوزانه وقوافيه

فأما ألفاظ الشعر فقد اشترك الشعراء الثلاثة في تلك الحركة التي انتهت بنقلها من البداوة إلى الحضارة، وكان بشار أول من بدأ بذلك وفعله عن قصد إليه يحقق فيه معنى تلك الثورة، فإنها لا تكون إلا عن قصد، ولا تثبت بالاعتباط والمصادفة، ولكنه لم يصل في ذلك إلى غاية هذه الحركة، لأنه نشأ متقدماً على أبي العتاهية وأبي نواس، وقضى شطراً كبيراً من عمره يأخذه بطريقته الجديدة وحده، وشعراء العصر المرواني يحيطون به من هنا

<<  <  ج:
ص:  >  >>