وهناك، ويعيبون عليه تلك الطريقة التي يأخذ بها، ويرمونه بالقصور والعجز عن اللحاق بالفحول، فيؤثر هذا فيه بعض التأثير ويمسكه عن الغلو في طريقته والاندفاع فيها، ويجعله يأخذ أحياناً في تقليد أولئك الفحول، والأخذ بطريقتهم في الغريب، والتشادق بالألفاظ
وقد مدح رُؤبَةُ بن العَجّاج عُقبَةَ بن مسلم بأرجوزة من أراجيزه وبشار حاضر، فاستحسن ذلك من رؤبة. فقال له رؤبة: هذا طراز لا تحسنه أنت يا أبا معاذ. وكان رجزهم في ذلك الوقت غاية ما وصلت إليه طريقتهم البدوية في إيثار الغريب والتشدد في اللفظ، فكان هذا سبباً في إنشاء بشار أرجوزته في مدح عقبة بن مسلم:
يا طَلَلَ الحي بذات الصّمْد ... بالله خبّرْ كيف كنت بعدي
أحسنت من رعد وتِرْبِ رعد ... سقيا لأسماء ابنة الأشد
قامت تُرَائيِ إذا رأتني وحدي ... كالشمس تحت الزِّبرِجِ المنقد
إلى أن قال في مدح عقبة:
أسلم وحييت أبا الْمِلَدّ ... مفتاح باب الحدث المنسد
مشترك النَّيْل ورِيّ الزند ... أغر لَبّاس ثياب الحمد
لله أيامك في مَعَدّ ... وفي بني قحطان غير عد
كل أمرىء رهن بما يُؤَدّي ... ورب ذي تاج كريم الجد
كآل كِسرىَ وكآل بُردٍ ... أنكبُ جاف عن سبيل القصد
فصلته عن ماله والولد
وروى الأصمعي أنه قال: كان أبو عمرو بن العلاء وخلف الأحمر يأتيان بشاراً فيسلمان عليه بغاية الإعظام، ثم يقولان: يا أبا معاذ ما أحدثت؟ فيخبرهما وينشدهما ويكتبان عنه متواضعين له حتى يأتي وقت الزوال ثم ينصرفان، فأتياه يوماً فقالا: ما هذه القصيدة التي أحدثتها في ابن قُتيبة؟ قال: هي التي بلغتكما، قالا: بلغنا أنك أكثرت فيها من الغريب، قال: نعم، إن ابن قتيبة يتباصر بالغريب فأحببت أن أورد عليه مالا يعرف، قالا: فأنشدناها يا أبا معاذ، فأنشدهما:
بَكِّرا صاحبي قبل الهجير ... إن ذاك النجاح في التبكير
حتى فرغ منها، فقال له خلف: لو قلت يا أبا معاذ مكان (إن ذاك النجاح) (بَكِّرا فالنجاح)