ذلكم أيها القراء هو عنوان المحاضرة التي حدثتكم عنها من قبل، وقد كان لهذه المحاضرة شأن لا أجد بأساً في أن أقص عليكم منه طرفا:
عجب الأزهريون أول الأمر حين سمعوا أن محاضرة بهذا العنوان سيلقيها أزهري في دار أزهرية، ثم عجبوا وازداد عجبهم حين علموا أن صاحب هذه المحاضرة هو فضيلة الأستاذ الكبير الشيخ محمود شلتوت:
قالوا: هذا موضوع شائك دقيق ينبئ عنوانه عما سيقال فيه مما نعرفه ونشهد آثاره، ولا بد أن يمس الكلام فيه بعض أصحاب السلطان من قريب أو من بعيد، وأصحاب السلطان في كل زمان ومكان يرون أنفسهم في منزلة من السمو ليست لغيرهم: فهم لا يحتملون في أنفسهم ما يحتمله سائر الناس، ولا يصبرون على ما يصبر عليه سائر الناس؛ وهم يغالون فيما لهم من حقوق يجب أن تُرعى، ويغمضون عما للناس من آمال (ينبغي) أن تحقق؛ وهم يرون من حقهم أن يشكّوا في الناس إذا خالفوهم في سبيل الحق والواجب، ويرون من حسن السياسة أن يرفضوا النقد إذا كان صريحاً مسفراً، وأن يعرضوا عن النصح إذا لم يُلف لهم في أوراق من الورد والريحان! فأيّ أزهري يعلم ذلك ثم يعرّض نفسه لما يستلزمه الخوض في مثل هذا الحديث؟
فلما سمعوا اسم (شلتوت) قالوا: هذا أعجب وأغرب! ولم يكن عجبهم إلا لأن صاحب هذا الاسم صديق حميم لفضيلة الأستاذ الأكبر الشيخ المراغي، ونصير قوى لإصلاحه طالما دافع عنه، وأشاد به وأيده بقلمه ولسانه وبحوثه العلمية؛ وهو مع هذا وذاك وكيل كلية الشريعة، وعضو في مجلس إدارتها، بل هو عضو في جماعة كبار العلماء، فكيف يتكلم إذن في هذا الموضوع، وكيف يذكر حقائقه، ويعرض للناس وقائعه؟
عجبوا لذلك كله أول الأمر، وتساءلوا عنه في مجالسهم؛ ولكن هذا العجب لم يطل بهم كثيراً، فقد تأملوا الأمر من جميع جهاته وروّوا فيه فتبين لهم أن الذي أنكروا منه غير منكر، وحينئذ جرت الأحاديث بينهم على نحو آخر: