قالوا: أن الكلام في هذا الموضوع، ولو كرهه بعض الناس، لا بد منه لمصلحة الأزهر ولمصلحة الثقافة الإسلامية العربية. فلو كان الأزهر معهداً من هذه المعاهد المتشابهة المتكررة لهان الأمر، ولجاز لأبنائه أن يجاملوا فيه أو يصانعوا، ولقال الناس: معهد من المعاهد إن ضاع ففي غيره عوض منه، ولكن الأزهر ليس كذلك، وإنما هو الجامعة الكبرى التي تعتز بها الأمة الإسلامية في مصر والشرق، بل يعتز بها العالم كله شرقيّه وغربيّه. هو الجامعة الفريدة في نوعها، القوية بتاريخها التي انحاز إليها تراث الفكر الإسلامي في أجيال بعد أجيال!
وقالوا: إذا كان (شلتوت) صديقاً (للمراغي) فذلك أقرب إلى نجاح دعوته، فإن كلام الصديق أيسر على السمع، وأدخل إلى القلب. وإذا كان (شلتوت) نصيراً للاصلاح، حريصاً على النظام القائم إلى درجة الدفاع عنه فذلك أنفى للتهمة، وأبعد من الشبهة. وإذا كان (شلتوت) متصلاً بالعمل، مكابداً لشئونه فذلك أدنى إلى القسط، وأهدى إلى الرشاد
فلتُقل إذن كلمة الحق، وليقلها (شلتوت) في صديقه ولصديقه، وليصدع بها عالية بريئة يبتغي بها وجه الله، وليؤثر الأزهر على صاحبه وعلى عاطفته في صاحبه، فإن الحق أحق أن يتبع، وإن الدين النصيحة لله ولرسوله ولأئمة المؤمنين! ولقد كان ذلك فكانت هذه المحاضرة
ولست أريد في هذا المقال أن أثبت شيئاً من نصوصها، فقد سمعها الناس حين ألقيت، وقرأها الناس حين طبعت ونشرت، وإنما أريد أن أذكر أهم المبادئ التي اشتملت عليها:
لقد مهد فضيلة الأستاذ الكبير لموضوعه بمقدمة بين فيها الغرض من الأزهر وعرض لتاريخه العلمي من يوم أن انسلخت عنه الصبغة الشيعية التي أنشئ لتركيزها وتنميتها والقضاء بها على المذاهب الأخرى، ووصف العلل التي ورثتها عن ماضيه الطويل فصرفته عن التفكير والإنتاج وقصرته على غير النافع وغير المستقيم من عناية بالمناقشات اللفظية، وتقديس للآراء والإفهام التي دونها السابقون، واشتغال بالفروض العقلية والاحتمالات التي لا تقع، وباختراع الحيل التي يتخلص بها من الحكم الشرعي، ومن تغليب لروح التعصب المذهبي، وتحريم لتقليد غير المذاهب الأربعة. . . الخ. وبعد أن فرغ من هذا التمهيد وأيد ما ذكره بالأمثلة العلمية أخذ يفيض في موضوعه بما يرجع