(بهذا العنوان نشرت مجلة المغرب التي تصدر بالرباط هذا المقال فأحببنا أن يطلع أدباؤنا عليه)
في مصر اليوم جماعة من حاملي الأقلام بلغ بها حب التجديد إلى حد أنها رأت التقليد الذي يرسف في أغلاله كتاب العربية وشعرائها قد بلي وقدم، وأنه في حاجة ماسة إلى التجديد فراحت تسود أوراق الصحف والمجلات بالنهي عن تقليد العرب وأسلوب العرب، وتفكير العرب، وكل ما هو من العرب. . . لا لتضع في محله شيئاً جديداً مبتكراً، ولكن لتحاكي الغرب وأسلوب الغرب وتفكير الغرب! وكل ما جاء عن الغرب وإن لم تشعر بذلك، أليس هذا تجديدا. . . للتقليد؟ أو ليست هي جماعة المجددين؟ وعدم فهمكم لها جعلكم ترمونها بعدم القدرة على التفكير بالعربية وأساليبها الضادية؛ وكيف تكون غير قادرة على هذا وهي التي تعلمت في أوروبا وقضت شهوراً وأعواماً في (حي مونبارناس) والحي (اللاتيني). . . وهلم جرا. لا ليس هذا (عجزاً يتظاهر بالقدرة وجهلا يتستر بالتحذلق) كما زعم الزيات بل سيل التجديد طغى حتى على التقليد وأراد تجديده.
أتدري ماذا تنكر هذه الجماعة على العربية؟ تنكر عليها أنها خالية من القصة والرواية ومن (التراجديا والكومديا والميتولوجيا) وأن أدبها ليس منقسما مثل الأدب الغربي إلى (كلاسيكي ورومانتيكي) وأن شعرها ليس منقسما إلى (أبيك وليريك) وأن جن شعرائها لم يتأله ولم يتخذ (أبولو): ذلك الاسم العالمي اسما له، وأن التاريخ العربي الإسلامي ليس منقسما كالتاريخ الغربي إلى:(العاديات والقرون الوسطى وعصر النهضة والعصر الحديث والعصر الحاضر)
وصفوة القول أن ذنب العربية هو عدم مجيئها على النمط الغربي، وقد تكون جديرة بأن تقلدها جماعة المجددين المصريين لو أنها احتوت على مثل تلك الأقسام، وأخشى مع هذا أن لو كان مثل ذلك للعربية دون الغرب لألفته قديما بالياً ويكون مع ذلك الحق معها؛ لأنها ليست جماعة المبتكرين بل جماعة المجددين، وكل ما يهمها هو التجديد لا الابتكار. ولو كان يهمها هذا لأخرجت لنا عوض هذا التقليد المشوه والصخب الفارغ والكلام الأجوف إنتاجا فكريا صحيحاً، ولست أنكر أنها جاءتنا (بمعجزات) فنية جديدة كل ما فيها غربي إلا بعض ألفاظ وحروف عربية.