للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهنا ضرب الكاتب المثل برسالة الأستاذ توفيق الحكيم إلى الدكتور طه حسين، ثم لخص بعض رأي الأستاذ وعقب عليه بقوله: هذا رأي الكاتب، أما رأيي أنا فهو أن مصر القديمة لولا تلقحها بعناصر أجنبية لما كان لها أدب وفكر؛ والتاريخ بالباب وهو أصدق مرشد وأعظم برهان، فلولا الإغريق لما كانت مدرسة الإسكندرية الفلسفية، ولولا العرب لما كان لمصر أدب أو فكر حديث يذكر ولا ذكرت مصر في تاريخ العالم إلا بفنها وهندستها الدينية؛ والحقيقة أن تلك الجماعة إنما تريد إبدال المقلد: إبدال العرب بالغرب؛ وقد بلغ تطرف صاحب مقال (الرسالة) إلى حد أنه رمى الكاتب الوحيد الذي ابتكر جديداً في العربية ولم يحاك أحداً بالتقليد. وكتاب المويلحي (حديث عيسى بن هشام) لا يزال قريب العهد، وما يعنيني الأسلوب إذا كان الكتاب غربيا مبتكراً؟ ولم تنتج مصر بعده جديداً سوى (الأيام) لطه حسين. ومنذ سنوات كانت جماعة المجددين المصريين تبرق وترعد بمحاسن المدنية الغربية وأفضليتها وسوء الحضارة الشرقية. ولما أراد الله رفع الستار عن مساوئ الأولى وظهر إفلاسها بعد الحرب فبرز كتاب أوروبيون عظام للتنديد بها وتفضيل الحضارة الشرقية في عدة نواح وخصوصا الروحية منها، أخذت هذه الجماعة نفسها تمجدها تقليداً لهؤلاء لا عن عقيدة، وهذا حد التقليد!

إني لا أنكر على هؤلاء الكتاب حملتهم على التقليد وإنما أنكر عليهم أولا سعيهم في إبدال المقلد بدون كبير فائدة. وثانيا أنهم بدلا من أن يشتغلوا في ابتكار جديد والعمل على الإنتاج الصحيح يضيعون وقتهم في الصخب. أما خلق أدب مصري قومي فهو (مودة) بالية قديمة بالنسبة لمن يتخذ لقب مجدد؛ على أن الأدب الجميل جميل في كل محل وتحت كل شمس وقمر و (ألف ليلة وليلة) حجة لذلك. وأما أن يكون عدم وجود الرواية والقصة سبب فقر أدبنا العربي فهذا غلط، فلربما جاء فكر عربي عند نضوجه بشيء أفضل من القصة والرواية، شيء يلائم طباعنا وأدبنا؛ وإن كان لا بد منهما فسيجيئان في وقتهما حسبما تنضج وتختمر الفكرة في عقول أبناء العربية، ولا يكفي قولنا لهما كونا فيكونان لأن النبوغ يتدفق من تلقاء نفسه ولا يستخرج، وكذلك تقسيم الأدب العربي على النمط الغربي؛ وله تقسيمه الذي لا يحتاج إلا إلى إصلاح وضبط. ويكفي مثلاً لفساد تطبيق أقسام التاريخ الأوربي على التاريخ العربي الإسلامي، أني كنت أقرأ كتابا عن تاريخ الإسلام والعرب

<<  <  ج:
ص:  >  >>