في الأمثال العربية - قتلت أرض جاهلها، وقتلت أرضا عالمها - ومعنى ذلك أن من سلك أرضا وكان جاهلاً بطرقها ضل وهلك، ومن سلك أرضا وكان عالماً بمسالكها قطعها ونجا منها. وهذا لا يختص بالأرض والمسافر، بل يعم كل من يزاول أمراً من الأمور، فإن زاوله عالماً به تغلب عليه، وإن زاوله عن جهل خاب فيه
للعلم سلطانه القاهر، والتسلح به متسلح بسلاح الظفر، وللجهل عثراته الموبقة، والمتسلح به متسلح بسلاح مفلول. إن الأمم التي تحل مشاكلها مستضيئة بنور العلم تنجح فيما تحاول، وتتغلب على الصعاب التي تعترضها، والأمم التي لا تستهدي العلم ولا تستشيره في مشكلاتها، لا تكاد تحل لها مشكلة
وما الفرق بين الأمم المتحضرة والأقوام الهمج، إلا أن الأولى آمنت بالعلم وبسيطرته على الوجود، فسعت للكشف والمعرفة، وكلما علمت شيئاً استفادت منه في حياتها، وأن الثانية لا تؤمن هذا الإيمان بالعلم، ولا تعترف له بهذه القدرة، فهي تحل مشاكلها بما يأتيها به عفو الخاطر، فتعثر دائماً ويلج بها العثار
وخير علاج ما يكون مبنياً على طبائع الأشياء، فأول ما يبدأ به معرفة طبيعة الشيء، ثم يعالج على حسب هذه الطبيعة وبنور هذه المعرفة
وعلى هذا فخير ما يعمل لحل مشكلة اللغة العربية أن تعرف طبيعتها ومن أي جنس هي! وما خصائص هذا الجنس! وقد أدركت ذلك واقتنعت به، ونريد أن نقنع به القراء
قضيتان إن آمنتم بهما سلمتم معنا بما نريد: إحداهما أن اللغة في المتكلمين بها ملكة. ثانيتهما أن الملكة لا تكتسب إلا بالتكرار لا بالقواعد فحسب
إذا استطعت أن أقيم الدليل على هاتين القضيتين وصدقتم بهما وجب أن تصدقوا أن اللغة لا تكتسب بالقواعد فحسب، بل بالتكرار والحفظ والمحادثة، وسأحاول ذلك فيما يأتي: